د.حامد الوردة الشراري
أحد أبنائك يقوم بتحميل عدد من التطبيقات لهاتفه الذكي أو يتجول على العديد من المواقع، وهاتفك الذكي مرتبط مع جهازه عن طريق البلوتوث أو شبكة الواي فاي أو غيره دون علم منك. بعد ذلك ذهبت إلى البنك لتحويل مبلغ كبير إلى شخص آخر. في البنك يكون هناك عدد من المراجعين وموظفي البنك منهم من ارتبطت أجهزتهم الذكية تلقائياً مع هاتفك قد يكون دون علمهم. في المساء رغبت أن تسدد بعض الفواتير من هاتفك الذكي وقد لاحظت أن هناك مشكلة في عملية السداد وكذلك جهازك كثير التعليق وبطيء في عمله، في الأخبار هناك اختراق لأنظمة بعض البنوك المحلية.
في الصباح الباكر ذهبت إلى البنك لمعرفة ماذا حدث، البنك يخبرك بأن هناك موجة من الفيروسات ضربت عدداً من البنوك منذ مساء أمس مما سبب مشكلات لنظام البنك وبنوك أخرى. طبعاً أول سؤال لك للبنك ماذا عن الحوالة الكبيرة التي حولتها بالأمس، طبعاً لا تجد إجابة من الموظف! فينتابك قلق كبير بخصوص الحوالة. الذي حدث هو تسلل إحدى الفيروسات من هاتف ابنك أثناء التحميل إلى هاتفك وتسلل منك إلى أحد موظفي البنك الذي لم يلتزم بسياسات ومعايير أمن المعلومات ومنه تسلل إلى نظام البنك وسبب شللاً شبه كامل للبنوك المحلية والذي سيكلف اقتصاد البلد وسوق المال مبالغ طائلة ويحتاج مبالغ أخرى لمعالجة هذه المشكلة والتي انتقلت دون وعي وعدم وجود آلية قوية لحماية الشبكة الوطنية الإلكترونية.
هذا سيناريو قد يحدث - لا سمح الله - في أي لحظة ودون إنذار مسبق! هذا الهجوم الإلكتروني (فيروسات) قد يضرب أنظمة وشبكات البلد الإلكترونية الحيوية الأخرى كشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، والشبكات والكيانات الحساسة الأخرى، وغير ذلك.
«الفضاء السيبراني» بات تعبيراً مُتداولاً حول العالم يُشير إلى كُلّ ما يرتبط بالشبكات الحاسوبية والإنترنت والتطبيقات المعلوماتية، وهذا الفضاء يحتاج إلى حماية من المخاطر المختلفة الذي يواجهه، كالهجمات الإلكترونية (الفيروسات) التي تزداد شراسة وتعقيداً يوماً بعد يوم، والتي تعدُّ نوعاً من الحروب المفتوحة قد تقف خلفها منظمات أو دول لأهداف سياسية وعسكرية واقتصادية. فالحرب السيبرانية (حرب الفضاء الإلكتروني) وهي حروب ميدانها الفضاء الإلكتروني لا تنطبق عليها قوانين وأعراف الحروب التقليدية، ولا تقيدها الحدود السياسية للدول، هي عابرة للقارات.
إن تزايد المخاطر على أمن المعلومات يزداد مع التوسع في التحول إلى الخدمات والتعاملات الإلكترونية، ومع ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة إلى نحو 24 مليوناً، ومن المتوقع أن يزيد عدد الأجهزة المتصلة في شبكة الإنترنت عالمياً من 8.4 بليون جهاز في عام 2017 إلى 20.4 بليون جهاز في 2020، والإنفاق على أجهزة أنترنت الأشياء من 1.7 تريليون دولار في عام 2017 إلى ما يقرب من 3 تريليون دولار في عام 2020.
لا شك أن هناك جهوداً رائعة بُذلت في السابق وما زالت للحد من تأثير تلك الهجمات، إلا أن المرحلة القادمة تعتمد بشكل كبير على التطور في الاتصالات وتقنية المعلومات والحاجة لبيئة إلكترونية (فضاء سيبراني) موثوقة لتنمية قطاع الخدمات الحكومية والأعمال والتجارة الإلكترونية والأنشطة للمنافسة إقليمياً وعالمياً وفقاً لرؤية 2030 التي تستهدف الوصول بموقع المملكة إلى إحدى المراكز الخمسة الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية، وأحد أساسيات التقدم في هذا الموقع عالمياً هو أمن المعلومات. لذا، جاء الأمر الملكي الكريم بإنشاء هيئة باسم «الهيئة الوطنية للأمن السيبراني» ترتبط بمقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - كجهة مرجعية لأمن الدولة السيبراني ولحماية معلومات الوطن الحيوية (الاقتصادية والأمنية والاجتماعية...) والشبكات والبنى التحتية الحساسة، وتعزيز أنظمة تقنية المعلومات، وتوحيد معايير الأمن السيبراني للدولة، وفق أولويات معينة أبرزها استقطاب الكفاءات الوطنية، وبناء الشراكات مع الجهات المختلفة، تحفيز الابتكار والاستثمار في مجال الأمن السيبراني، واستكمالاً لتلك الأولويات، أرى إعادة النظر في الإسترتيجية الوطنية لأمن المعلومات المعدة من قبل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات استجابة لقرار مجلس الوزراء رقم (82) وتاريخ 22-3-1431هـ وأقرارها، وتكوين فريق استشاري وطني في مجال أمن المعلومات مساند للهيئة.
إن الثورة الرقمية والمعلوماتية أصبحت تتحكم في مناشط حياتنا اليومية، وأصبح أمن الوطن مرتبطاً بأمن المعلومة، وقد استحداث الهيئة لحماية الفضاء السيبراني الوطني (الفضاء الإلكتروني)، وتوحيد الجهود في مواجهة الهجمات غير التقليدية للحد من مخاطرها على المجتمع والوطن، ولتعظيم الفائدة من التحول إلى الحكومة الإلكترونية، والإسهام في تحقيق نهضة تقنية، تُسهم في التنمية، وتخدم مستقبل اقتصاد المملكة.