د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** سأله : ما رأيك بفلانٍ من الكُتَّاب؟ فاستعاد عبارة صديقٍ لا شأن له بعوالم التأليف، غير أنه حين يمر ذكر إنسان عادي يجيب: «إنه من قُوت البلد»، كنايةً عن تكرره في شخوصٍ نمطية وعدم تميزه بما يجعله رقمًا متفردًا يستحق الإشارةَ بله الإشادة.
** أجاب صاحبكم بصورة مقتضبة عن وجود نمطين من الكُتَّاب ومن الكتابة، وهما النمط التأصيلي والنمط التفصيلي؛ أما التفصيليون فيملأون الأرض ويسدون الفضاء، ولا وزن معياريًا لهم يجعلهم قادرين على الإثراء الممتد بمساحات الزمن الآتي، وأما «التأصيليون» فهم ناؤون عن الشأن اليومي بكل معطياته وعطاءاته؛ لا تُغريهم الشهرة ولا يرقبون الانتشار، لكنهم يثقون أن كتاباتهم ستبقى لتُقرأَ وتُدْرسَ في وقتٍ لم تبدُ إرهاصاته بعد.
** وأضاف أن النمطين يكتملان؛فلا فضل لأحدهما، وكما تجيء الكتابة التأصيلية معمقةً مرجعيةً مستندةً إلى تحليل وتدليل وتعليل فإن الكتابة التفصيلية تعتني بحوائج اليوم ورغائب الناس، وفي كلٍ خير.
(2)
لشَمر بن عَمْرٍ الحنفيّ حكاية وردت في «الأصمعيات» و»الأغاني» - وهو من شعراء اليمامة وينسب إليه قتل «المنذر بن ماء السماء» غيلةً بعدما بعثه «الحارث بن جبلة الغساني» ومعه مئة غلامٍ تحت لوائه يسترضي فيه المنذر الذي وثق بشمرٍ هذا فاغتاله ونهب عسكره فيما سمي «يوم عين أباغ»- وكل هذا مفصل في مظانه، لكن الأهم هنا نصُّ شمر بن عَمر - وهو نص ذائع؛ فيه البيت المعروف:
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبُّني فمضيتُ ثُمتَ قلتُ لا يعنيني
وبعده:
غضبان ممتلئًا عليَّ إهابُه
إني وربِّك سخطُه يُرضيني
** ودون محاكمة مسلكه - إذا ثبت فللحكاية وجوه أخرى نطالعها في رواية «يوم حليمة»، وهو شأن معظم حوادث التاريخ التي تحتاج إلى تدقيق وتوثيق - فإن للبيتين معانيَ تستحق الالتفات إذا تجردنا من مثاليةٍ مزعومة تفترض التسامي والتسامح مما لا يطيقه السلوك البشري الممتزجُ بالأنا تنتصر ممن يسيء إليها وترتفع فوق من يقلل من شأنها، ولو تمثل بهذين البيتين من يلقون انتقاصًا وازدراءً في الوسائط الرقمية لأعرضوا عن شانئيهم واطمأنوا إلى محبيهم.
(3)
** كنا (مجموعةٌ من باحثي معهد الإدارة وصاحبُكم) نحاول توثيق تأريخ معهد الإدارة بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيسه فوجدنا في ملفاته «أنموذج استمارة» من أربع صفحات يعبئُها القياديون حين تعيينهم ويُحصون فيها أملاكهم الثابتة وأموالهم المنقولة على حدٍ سواء، ولا ندري إن كانت ما تزال مستخدمة أم أُلغيت، غير أنها - في حال وجودها - ستحد من الفساد؛ إذ يكفي مقارنةُ وضع القيادي قبل الوظيفة وبعد خروجه منها وجمعُ ما استحقه من رواتب ومميزات وإحصاءُ ثروته الجديدة وطرحُها من أرقامه الأولى، ولن يخفى بعدها النزيه من ضده.
(4)
** التأصيلُ منطلق التفصيل.