اتفق علماء النفس والتربويون ومنذ نشأة هذا العلم أن الطفل وخاصة في مراحل عمره الأولى يكون أكثر التصاقاً بأمه وتشرباً لكل العادات والقيم التي تغرسها بهِ ويتعلمها منها فهي أهم مرحلة عمرية لبناء الجيل الجديد الصاعد الذين هم ثروة الوطن الحقيقية وسواعده التي يقوم عليها البنيان والنهضة والتقدم العلمي والحضاري. لذا كان للمرأة دورها الكبير. في بناء المجتمع وما أخصها الله به في طبيعة التكاثر البشري والتناسل من حيث الحمل والولادة، قال الله عز وجل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذاريات 49.. فعندما نتحدث عن دورها كأم ومربية لها عميق الأثر في تكوين شخصية الأبناء والبنات على حد سواء لأنها تشكل لهم النواة الأولى التي تبرز من خلالها وعبر سماتهم الشخصية بعد أن تشربوها تماماً بكُل ما فيها من قيم ومبادىء سامية من حيث الدين والتربية وحُب الأوطان ومحاسن الأخلاق وطلب العلم والطموح وحثهم على ذلك منذُ كان طفل وإلى أن يشب عن الطوق وحتى أن يشتد عوده ليشق طريقه بعد ذلك متسلح بكل ماذكرناه ليكون فرداً صالحاً نافعا لنفسه ومحيطه الأسري ومن ثم عضو مشارك وفعال في بناء المجتمع! وهذا نتاج طبيعي لتلك التربية الصالحة والدور الهام الذي تقوم به المرأة التي تُعد مصنع الرجال. وتحديداً الأم وهي محور الحديث في هذا المقال والنماذج كثيرة وعديدة وفي كل العصور من أم موسى عليه السلام، إلى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أم عبدالله ابن الزبير ذلك الصحابي والفارس صاحب القصة المشهورة عندما كان فتىً يافعاً مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأم البطل المسلم محمد الفاتح (833هـ) الذي فتح مدينة القسطنطينية، هو سابع سلاطين الدولة العثمانية، وكذلك أم مخترع (الكهرباء) أديسون وما ذاك إلا للذكر وليس للحصر. وفي عصرنا الحديث يأتي دور الأم لا يقل أهمية عن سابقاته.
إن الإنسان يبني نفسه بنفسه وما عليه إلا أن يكون ذا طموح عال وعزيمة لا تفتأ وأن يشق طريقه بنفسه في هذه الحياة إن أراد أن يكون شيئا مذكوراً يشار له بالبنان وصاحب مكانة في المجتمع له بصمة بعد أن يتسلح بالعلم والثقة بالنفس والتخلص من الخوف عدو الإنسان الأول والاعتقاد الجازم بأن ليس هناك ما هو مستحيل في هذه الحياة إن أراد الإنسان النجاح والتميز.