يُؤْثِر كثيرٌ من المؤلفين على أنفسهم بإهداء نسخ من إنتاجهم العلمي إلى المكتبات؛ لاعتبارات متباينة لديهم؛ إما إدراكًا لقيمة المشاركة في الحياة العلمية من جهة؛ وحسبه استخدام كتابه والاستفادة به في إعداد الدراسات العلمية كالرسائل؛ لأجل الحصول على درجات (الماجستير والدكتوراه)، وأيضًا البحوث القيمة؛ خاصة تلك التي تنشر في الدوريات العلمية المحكمة؛ هذا فضلاً عن إدلاف ذكر اسم المؤلف وعنوان كتابه في قائمة المراجع بمكتبة البحث، والتي تمثّل جانبًا في غاية الأهمية؛ بالإضافة إلى ما يمثّله ذلك من أثر طيب على الجانب الاقتصادي والإسهام الذي يقدّمه المؤلف لخدمة الباحثين غير القادرين على شراء كتابه من جهة أخرى.
وتهدى هذه النسخ من المؤلفين إلى أنوع كثيرة من المكتبات، ويأتي على رأسها المكتبات المركزية للجامعات؛ لما تحفل به من استقبال الباحثين وطلبة العلم، فيكون ما تم إهداؤه متاحًا ومتوفرًا لديهم إذا ما رغب أحدهم في الاطلاع عليه كان الأمر ميسورًا وغير مكلّفًا؛ خاصة إذا كان سعر النسخة التي تم إهداؤها باهظًا؛ مثل الموسوعات العلمية والمعاجم، والأعمال التراثية المحققة، وكذا الرسائل العلمية التي تأتي من جامعات أخرى عبر الإهداء. ومن ثم فإهداء النسخ يسهم في تيسير الأمور الاقتصادية نوعًا ما فيما يتعلّق بشراء الباحثين للكتب وبخاصة الثمينة منها والنفيسة وهذا ما يتعلّق بأثر الإهداء من الناحية الاقتصادية للباحثين وعدم تكلّفهم وتكبدهم عناء الشراء، من جانب آخر يعزِّز الإهداء الاقتصاد المالي للمكتبة المهدى إليها نسخ من الإنتاج العلمي للمؤلف فيتوفر لميزانيتها (فيما يُعرف بالتزويد) ما يحسب لخدمة الباحثين وتطوير ما بالمكتبة من إمكانات متعددة.
كما يتجلّى أثر إهداء مؤلفات المؤلف إلى المكتبات التي تملك موقعًا إلكترونيًا على الشبكة العنكبوتية في دورها العظيم في توفير معرفة الإتاحة للكتاب المبحوث عنه عبر شبكة الإنترنت من عدمه عن بُعد، بما يوفر على الباحثين تكبد المشاق وعناء الانتقال وهو قاسم مشترك بين مزية توفر قاعدة بيانات لمحتوى المكتبة من عناوين، وبين توفر هذه المزية وإتاحتها للباحثين.
أما الفوائد العلمية التي تعود على المؤلفين والباحثين من هذا الإهداء فيتمثَّل في إشهار أعمالهم العلمية عبر المكتبات المركزية بشكل خاص؛ والتي تقع داخل الجامعات؛ فأغلبهم يرغب في إهداء النسخ حتى يكون إنتاجه العلمي متاحًا على الرحب والسعة داخل الموضوعات التي يتم البحث فيها، ويحرص كل الحرص على الإهداء فور صدور نسخة الكتاب، كما تؤثره المكتبة بإعطائه وثيقة مرجعية وتكريمية لإهدائه هذه النسخ.
ومن أعظم الفوائد العلمية وراء الإهداء للمكتبات ما يتجلّى من حرص كثير من الباحثين على باكورة ذكرهم في قائمة مراجع الأبحاث والدراسات خاصة الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه)، وهو توفير نسخ من مؤلفاته للاقتباس منها، وهذا هو قمة النفع العلمي المرجو باستخدام نصوص المؤلفات في تحليل ودراسة موضوع ما.
إن المؤلفين الذين لا يمتنعون عن إهداء نسخ من مؤلفاتهم إلى المكتبات المركزية بشكل خاص والتي تستقبل أعدادًا ليست بالقليلة من الباحثين قد يكونون من مناطق وأماكن متفرِّقة هم الذين يقدِّرون قيمة الحياة العلمية تقديرًا صحيحًا طيبًا، ويقدِّرون قيمة البحث وأهمية المشاركة في الحياة العلمية عبر إتاحة إنتاجهم العلمي للباحثين، والذي لا يدرك قيمة ذلك سيتأخر دونما شك عن المشاركة المبكرة.