د. خيرية السقاف
رفع كفَّيه للسماء
دعا في أعقاب صلاته
ثم بكى
سأله ابنه: ما الذي يبكيك؟
أجابه، حنيني لأبي وأُمي..
الصغير: لنذهب إليهما..
تبسَّم، وهو يمسح على رأس صغيره: سأفعل، لي يوم واحد لم أرهما فيه..
: أهذا شوق يا أبي؟
شعور في داخلي يقلقني، يشدُّني ، يتمرَّغ في صدري، يشغلني بهما!!
: ؟! « وجه مندهش»
: شوقي إليهما يا بني:
كنتَ البارحة هناك، وكنتُ معك..
لمَ تبك أبتي؟!..
: قد ربَّيا إحساسي، وأحاول أن أفعل معك، وأستعين بربي..
: كيف ربَّـيا إحساسك؟!
: كانا يقولان، ويفعلان..
: كيف؟
: لا تكذب، لا تحلف، لا تتأخر عن صلاتك، لا تحسد أحداً، ليكن ما تحبه لنفسك للآخرين، إنْ أخطأت فاندم، عاتب نفسك، تراجع، وصوِّب، كن مرشدَ نفسك، وقيِّمَها..
: ثمَّ؟!
: ويفعلان.. يفعلان يا ولدي ..
لا يكذبان، لا يتأخران عن الصلاة في أعقاب الأذان، ويضمّانني إليهما برفق فتعوَّدت الصلاة في وقتها، لا يحسدان سعيداً، ولا ناجحاً، ولا ميسوراً، ولا صحيحاً، ولا ذا حظٍّ وينبِّهانني لهذا، فأصبحتُ على خطاهما..، يقسمان من طعامهما وجبة للجار، وعابر السبيل، ويجعلانني أفعل، فلا يستقر لي خاطر دون أن أفعل، يصغيان للكبير، والصغير كما يحبان أن يفعلا معهما، ويطلبان مني فعل ذلك فاتخذت سبيلهما، لا يغفلان، ولا يسوِّفان خطأ يبدر عنهما، يتراجعان عنه ويصوِّبانه، وإنْ مسَّ أحداً قدَّما له الاعتذار، والأسف، ولا يترددان في شرح المواقف لي، فأصبحتُ جلاّد نفسي...
: نعم، أنت كذلك أبي تفعل معي أبي..
تحدَّرت دموعه..
ضم صغيره إلى صدره..
شدّه إليه من كفِّه..
وانطلق به إليهما وهو يبتهج..
وكفُّه الأخرى تمسح عن خديه دموعاً تحدَّرت برفق!!..
***
ما فوق لوحة من الواقع في سطور
ألا يحتاج إليها الإنسان في هذا الواقع، المزدحم بالمرء حتى عن إحساسه؟!..