ياسر صالح البهيجان
يعتقد البعض بأن إزالة الأحياء القديمة ذات المنازل المتهالكة والشعبيّة تُعد خطوة صائبة نحو التطوير وإضفاء طابع الجمال والحداثة على مدننا، والحقّ أن تلك الأحياء باتت جزءًا من ماضي المدن، وإزالتها بطرق عشوائيّة يقطع صلة السكّان بماضيهم ويُحدث نوعًا من الفجوة في ذاكرة المجتمع، وتستصحب معها شعورًا بالغربة وابتعادًا عن حسّ الانتماء الوجداني للمكان.
في دول العالم كافّة ثمة أحياء قديمة وشعبية لا تزال تحافظ عليها، وتعتقد بأنها تحمل شيئًا من هويتها، كما أن معظم تلك الأماكن جرى استغلالها وتحويلها إلى مواقع تراثية أشبه بالمتاحف والمزارات السياحيّة، لذا فإن الأزمة التي تواجه أحياءنا القديمة تتمثل في كونها تقع تحت وطأة العشوائية وعدم مراعاة مبانيها وشوارعها لأبسط مقومات التناسق والانتظام العمراني، ما يجعلها سببًا رئيسًا في إنتاج حالة من التلوث البصري، لذا فإن المنتظر هو إعادة تشكيل الأحياء القديمة ومنحها طابعًا معماريًا تراثيًا يجري على ضوئه ترميم المتهالك منها، لتظل تلك المناطق حاملة لعبق الماضي، وشاهدة على حالة تطور المدن وتحولها من مرحلة تاريخية إلى أخرى.
المدن الكبرى بالمملكة لديها عشرات الأحياء التاريخية، وأعتقد بأنها فرصة سانحة لكي نعيد إحياءها بطرق علمية حديثة تنسجم مع التقنيات العمرانية المبتكرة لنجعل منها وجهات سياحية من شأنها تعريف السيّاح وأيضًا الأجيال الجديدة بمدى عراقة مدننا وعمق جذورها، شريطة أن نحافظ على روح عصرها التي شيّدت فيه، لتمارس دورها كمعالم راسخة تدوّن أحداث حقب تاريخية سالفة، تستحق أن يُحتفى بها كإرث وطني وحضاري يحمل من القيم الشيء الكثير.
ولعل الحديث عن الاهتمام بالأحياء والمناطق التراثيّة يقودنا للإشارة إلى نموذج وطني أثبت كفاءته في هذا المجال، ويتمثل فيما قامت به الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في تطويرها لحي البجيري بالدرعية التاريخيّة، واستطاعت أن تضرب مثلاً مميزًا في كيفية المحافظة على تاريخ المكان والمزج بينه وبين الحداثة في التنظيم والتنسيق، وهذا ما جعل حي البجيري حاليًا وجهة أولى لمعظم سكّان مدينة الرياض وما حولها من محافظات، وأجزم بأن تكرار التجربة الرائدة سيمنح العديد من أحيائنا القديمة في مختلف مناطق المملكة رونقًا خاصًا يعيد إليها وهجها الغائب.