د.ثريا العريض
تداعيات الصراعات تملؤني بمشاعر مؤلمة؛ كل صورة لطفل التهمت الألغام أطرافه يبكيني, وكل خبر عن شهيد يخر يذكرني بأحزان أبويه وزوجته وأبنائه.
في توجعي أمام نشرات الأخبار وأحداث الحاضر أفكر في الروبوتة «صوفيا».. ويتداعى تساؤل فكري: هل سيكون الإنسان الذكي أسعد لو أنه بقدرة قادر عرف كل المعلومات والحقائق, وفقد قدرة الشعور الإنساني بالتفاعل معها بحس بشري؟ لو فقد البشر حس التعاطف أو الغضب أو قدرة تصنيف الأفعال وضرورة اختيار من ينتمي إليهم بضميره, ومن يرفض تصرفاتهم بغض النظر عن انتمائه إليهم جينيا أو جغرافيا أو لغويا أو دينيا.
أفكر في معنى «الحوار» و»الجوار». الروبوتة لن تغير إجاباتها على فحوى سؤال علمي سواء تلقته في اليابان أو كوريا الشمالية أو الولايات المتحدة أو السعودية أو جنوب أفريقيا: فهي لا تعرف معنى الانتماء ولا حس الدفاع عن كيان سياسي بعينه. ولكنها في سؤال عن الأرقام, والصح والخطأ في فعل سياسي تجيب بإحصائيات صحيحة, وبقيم من برمجها من البشر. وللبشر ميولهم وتحيزاتهم اللا علمية.
وعندما نأتي إلى الإعلاميين والتساؤل عن الحقائق المثبتة المتعلقة بأي وطن بعينه, يضحي الموقف الذي ينطلق منه الإعلامي محفوفا بتلوث الازدواجية وحسابات وتوجسات النتائج التي ستطاله كبشر, إما مكافئة له أو معاقبة له. وبين الإصرار على الصراحة وصحة المعلومات, أو إخفاء بعضها أو اختلاق ما ليس صحيحا, الفرق ليس فقط بين الجرأة أو التهور الفردي, بل أيضا تغلب الجانب الوجداني وما نسميه الضمير على الجوانب الأخرى المتعلقة بالماديات وراحة الجسد سلبا أو إيجابا.
لي قرابة 3 عقود أكتب صحفيا بانتظام, ليس كإعلامية بل كإنسانة شاعرة تبرمجت بثقافة دقة المعلومة وصدق مرجعيتها. بدأت كاستجابة لتحدي فعل شيء جديد, واستمريت بمتعة مشاركة قرائي في مخزون معرفي إنساني تراكم منذ ابتداء وعيي بالحضارة وتعقيدات بنائها واستدامتها, إلى جانب ملاحظة وتحليل ما يمر بي من أحداث حياتية. وظللت كاتبة إنسانة تتدثر, شاءت أم أبت, بتفاصيل انتماءاتها.
وسائل نقل الأخبار تلعب دورا كبيرا في ما أكتب منذ تعلمت الكتابة في سن الخامسة. ومنذ تأميم قناة السويس وتسمم الجوار بأطماع الإخوان وإيران, حتى حرب الخليج الأولى ثم غزو العراق للكويت, وتفجيرات نيويورك, وتنامي القاعدة وداعش, وتمدد تدخل الحرس الثوري إلى البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن, أمست نشرات الأخبار جزءا من روتين يومي, وجبة تحمل كل المذاقات, يتزايد فيها جانب المرارة منذ فاجأتنا عواصف الربيع العربي وتفجر دمويتها.
بالتأكيد لست «روبوتة» محمية من حساسية الشعور البشري والإنساني و التعاطف مع معاناة الأبرياء. ولكني أشعر وأومن وأتمسك بمسؤولية «مكافحة الألم», ولذا أظل أضغط على نفسي كي لا أكتب إلا عما يحمل البهجة أو على الأقل التفاؤل, علني أضيف شيئا يخفف من مرارة الواقع و يعيد توازن الأحاسيس والإيمان بمستقبل أفضل للبشر جميعا.