جاسر عبدالعزيز الجاسر
إن الذين اغتالوا الشهيد رفيق الحريري باني لبنان الحديث، والذين شاركوا في عملية الاغتيال بالتخطيط والتنفيذ وتدمير معدات التفجير ومن ثم حماية المجرمين الذين نفذوا عملية الاغتيال، هم أنفسهم الآن الذين يتباكون على استقالة ابنه ووريثه السياسي سعد الدين الحريري الذي اضطر لتقديم استقالته والخروج من بيروت بعد تأكده أن مصيراً مشابهاً لمصير والده، وأن نفس الجهات التي نفذت عملية الاغتيال وأن نفس الأيادي القذرة التي دفعت الأموال وجلبت معدات التفجير، وأن نفس الأجهزة والدوائر التي يفترض حماية وتأمين جميع المواطنين، يتورط قادتها بالتخطيط لاغتيال المسئول التنفيذي الأول في البلاد، مما يؤكد أن عصابة ومليشيات حزب الله أكملت اختراقها لجميع الأجهزة والدوائر اللبنانية بما فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية، فحتى رئيس الجمهورية أصبح رهينة بيد المرشد الأعلى للحزب وكيل ولي الفقيه الإيراني في لبنان، وأصبح الجيش اللبناني مخترقاً ولا يثق فيما يكلف من مهام، إذ أصبح أداة في يد حلفاء حزب الله وتصفية من يعارضوه، وقد ظهر ذلك بوضوح في أحداث كثيرة آخرها معارك الجرود إذ كان ظهيراً لمليشيات حزب الله وداعماً لها في معاركها داخل سورية.
المؤسسات العسكرية مخترقة، وهيمنة عصابات حزب الله على مؤسسات الدولة سواء مباشرة أو عبر وكلائها أو ما يطلق عليهم حلفاء حزب الله، والذين أصبحوا «إمعات» الذين ينفذون إملاءات ملالي طهران التي تبلغ إليهم عبر وكيلهم الملا حسن نصر الله دون أي نقاش نظير رشى سياسية تمثلت في الحصول على المناصب الرئيسية في الدولة، والتهديد بتصفية الخصوم جسدياً، وهو ما مكّن عصابات ملا حسن نصر الله من تنفيذ كل ما تريده طهران، من بناء تحالفات سياسية ودعم لحلفائها مقابل تعهدات وتفاهمات سرعان ما تخلى عنها ملا حسن نصر الله وحلفاؤه بعد أن حققوا ما يريدون، وهو ما يفرض على من وثق بتعهداتهم خيارين؛ إما البقاء في خندق ملا حسن نصر الله وما يتسبب به من تسليم كامل لمقدرات لبنان وجعل قراره السياسي وحتى الأمني والاقتصادي في خدمة الأجندة الإيرانية وجعل لبنان «ترساً في عجلة» تحصين نظام إيران الذي أصبح مطالباً بوقف دوره التخريبي في المنطقة أو يتعرض للمحاسبة والعقاب، وهو ما يجعل إيران وحكامه وأذرعته الإرهابية والمليشيات المرتبطة به عرضة للعقاب من قبل القوى الدولية المؤثرة سواء الغربية أو الشرقية.
ولهذا فإن ميليشيات حزب الله وحلفاءها من الذين مكنوا لهم اختراق مؤسسات الدولة، لا يتحملون قيام مسؤول ورجل دولة مؤثر كسعد الحريري بكشف دورهم المخرب، ولهذا فإن المعلومات التي حصلت للحريري بأن قرار تصفيته واغتياله جاهز إن هو واصل معارضته لعمليات هيمنة إيران على لبنان ورفض التعاون لتحصين حلفائه وتجنيبهم العقاب الدولي.