عبده الأسمري
منذ أمد والفساد يؤخر التنمية ويعطل النماء ويشوه صورة المجتمع ويبدد المال ويشيع الفوضى.. استبشرنا وسعدنا وسنظل بتلك القرارات الحكيمة من قيادتنا الرشيدة التي وظّفت العدل وأشاعت المساواة عندما طالت الكبير والصغير والأمير والوزير ولن ينجو منها أحد..
تلك الخطة التي وُضعت ولم تكتف بالقبض بل وبالتحقيق في سرية تامة وعمل مؤسساتي ما بين اللجنة المكلفة وأذرعها في قطاعات الدولة، مما جعل الملف سائراً في خطواته باحترافية ومهنية.
وبالعودة إلى الفساد وتفاصيله.. ثمة أسئلة عديدة ومديدة تلتف حول ملف الفساد.. لماذا كان معظم المتورطين في قضايا الفساد من ميسوري الحال أو «الأغنياء «؟ لماذا تشبث بعضهم بالفساد؟ كيف تم الكسب؟ هل جمع كل الثروات من الفساد؟ كيف تم اكتساب الفساد لمن دخلوا الدائرة حديثاً؟.
عندما وقعت كارثة سيول جدة قبل سنوات وكشفت الوجه الحقيقي للعروس التي نهب منها مهرها وتم تقسيمه بين «الشلل» ووسط الجلسات السرية لتوزيع المخططات، واستغلال الموارد بين أصحاب الأختام والتواقيع والصلاحيات، حينها ظهرت أولى بوادر الفساد فتم التعويض «مبدئياً» للبسطاء والمغلوبين، فآثروا الصمت ظناً أنّ الفساد انتهى، ومن منحى آخر تأبط الفاسدون شرورهم فصالوا وجالوا من جديد بعد توقف مؤقت لمحاكمات على «استحياء»!!
جاءت سيول أخرى فكشفت أنّ للفساد جذوراً عميقة حولت المدينة التجارية الأكبر والميناء الأهم، إلى مشهد مأساوي حاضر وبرهان مؤكد، يظهر السرقة واستغلال النفوذ وتبديد المال، وبعدها بسنوات ظهر الفساد في البر والبحر وفي مناطق مختلفة، وتم الكشف عن خفايا «الفساد» في ميزانيات الدولة ووزاراتها والمشاريع المجدولة والخلل والفروقات بين المصروفات والمشروعات المنفذة، حيث ظهر السوء وسقطت الأقنعة عن وجوه الفاسدين، فتنبهت القيادة واستعانت بفرق احترافية لكشف ذلك وهاهي تضرب معاول الفساد.
للفساد اتجاهان هامان جداً أولهما يتعلق بالكسب المشروع وهو المال الذي تم كسبه نظير وظيفة أو نشاط تجاري من حر المال، وما عدا ذلك من أموال تحت الطاولات أو تسيير معاملات تخترق النظام أو استغلال النفوذ وسوء السلطة فهو كسب بالفساد.. وحينما تشيع مثل هذه السلوكيات المشينة لموظف يأخذ راتباً عالياً وعلاوات وانتدابات وبدلات ومزايا، فإنّ ذلك يعكس سلوك الطمع والجشع الذي أطاح به وهو يسير غير قانع ولا مقتنع، بل سائراً يجمع المال في دنيا زائلة من مال الآخرين وحقوق الغير.
أما الاتجاه الآخر فعندما تشاع مثل هذه السلوكيات أمام موظفين آثروا الصمت وتشبثوا بنيْل جزء من «حصص الفساد»، فإنّ ذلك قد أسهم في شيوع اكتساب الفساد من خلال ضم عناصر جديدة إلى الدائرة، وبطبيعة الحال فإنّ هذه المجموعات الفاسدة حريصة على التعاون والسرية، ولديها عقوبات داخلية لكل من يخترق الاتفاقيات الظالمة والتعاون المظلم الذي نهش جسد الوطن وحرم الآخرين.
قضايا الفساد القديمة والمكتشفة والجديدة والمستجدة والقادمة، تحتاج إلى دعم شعبي وتعاضد وطني مع القيادة في سبيل مكافحة الفساد، بشكل متسارع ومتواصل يكفل القضاء عليه، لذا فعلى كل مواطن أياً كان منصبه أو موقعه أو صفته، أن يعي أنه شريك حقيقي وعضو فاعل وداعم فعلي في مستقبل طموح لا مكان للفساد فيه.