عبده الأسمري
اختصر سيرته في سجل الشرف وانتصر لمقداره في معقل الفخر.. اكتمل الحزن بدرا فكان رحيله ذكرا لصوته وصورته وعمله وشخصيته التي سكنت تاريخ «الوطنية» واحتلت برواز «الريادة «وتظللت تحت أفياء «الأخلاق».
إنه الراحل نائب أمير منطقة عسير سمو الأمير منصور بن مقرن بن عبدالعزيز رحمه الله صاحب الصدى والمدى والاقتداء والاحتذاء في مسيرته التي ستظل قصة «أصيلة» وملحمة «نبيلة» في عسير التي امتزجت بتوقيعه وتمازجت مع وقعه في محافل قرار واحتفالات تنمية تركها شاهدة على وفائه مستشهدة بعطائه
بوجه فريد سديد مسجوع بالطيبة تحفه ملامح أميرية مألوفة يسكنها التواضع ويؤطرها سمت التربية وحضور الإنصات وعينان براقتان تنضخان بالألفة وتشعان بالسمو.. وكاريزما تستمد من والده «الوفاء والصفاء» ومن أخواله «الرشد والفضيلة» حضر الأمير منصور في تفاصيل الوطن كابن بار ومسؤول مستشار وفي عسير كغيمة بشرية ممطرة حيث سكن في شعور سكانها كحدث خالد وطاف في مدارات هضابها وسكنات تلالها كحديث مخلد..
في الرياض ولد عام 1974 وتعانق مع نسماتها حيث نشأ في قصر والده وهو يسمع قصص «الحكم» ومقامات «الإمارة» ومقومات «البطولة» فترددت في ذاكرته «نصرة المظلوم» وانتصار الحق متكاملا مع أسمه مكملا لينابيع نبل غرسها فيه والده الأمير مقرن ومشاريع «عطف» عمقتها والدته في عقله فتربى متعاطفا مع الحاشية متواضعا أمام الآخرين عطوفا بالجميع شغوفا بقصص طلعات «الطيران الجوي» الذي كان يرويها والده فخورا ب»نياشين المهمات التي كانت تزين بزة والدة العسكرية واستمرت «عنوانا» أجاد قراءته مع تفاصيل صنعتها التربية في ميادين الحكم ومعارج المسؤولية.
تميز الأمير بين أقرانه بالتفوق والمثالية في كل مراحل تعليمه ثم كان دؤوبا في عمله مرافقا ملازما لوالده وعين عام 1999 في إمارة منطقة المدينة المنورة عندما كان والده أميراً لها. ثم عين بعدها نائباً لمجلس إدارة مؤسسة البيان للتعليم الخيرية «جامعة الأمير مقرن حالياً» ثم مستشارا في ديوان ولي العهد ومستشارا لخادم الحرمين الشريفين ثم تم تعيينه في رجب الماضي نائبا لأمير منطقة عسير ثم وافته المنية في تحطم طائرة عمودية الأحد الماضي كانت تقله مع عدد من مسؤولي منطقة عسير داخل محمية ريدة بعسير.
وحدهم الحكماء من يجيرون «الزمان» ويختصرون «الوقت» ويصنعون «المآثر» في قالب تاريخي مذهل وأفق ريادي منفرد حيث صنع الراحل «انتماء نفسيا ونماء اجتماعيا وسخاء إنسانيا للإنسان قبل المكان.. فارتبطت بحبه «جبال أبها» وسواحل الحريضة والبرك وترابطت بتوجيهاته عطاءات النماء في سهول محائل ورجال ألمع وهضاب النماص وبلقرن واكتست بقراراته اعتبارات السخاء في جنبات خميس مشيط وأفق ظهران الجنوب وسراة عبيدة وتوشحت بإمضاءاته أشرعة العطاء في أحد رفيدة وتثليث وبيشة.
بين المعاني والتفاني والأماني عاش الأمير منصور وجها للقياديين الشباب وواجهة للرعيل النبيل من أبناء الأسرة الحاكمة..
اعتاد موظفو أمارة عسير تلك البسمة الفريدة المختلطة بصفاء نبله وتعود سكرتارية مكتبة الابتسامة النابعة من نقاء قلبه وهو يحييهم ويشحذ هممهم في نهار عمل متسارع يبدأ بخدمة المواطن ويتوسط بتنمية المشاريع وينتهي بطاولة «صافية من المتأخرات» ضافية بالإنجازات ثم لا يلبث أن يكتمل عقد الهمة ومجد المهمة بجولات مسائية بعنوان «استراتيجي» وتفاصيل «تنموية « ليقينه بأن العمل روح متجددة وتيقنه بأن النتائج أنفاس عطاء لا تتوقف.
بين الحس القيادي والحدس الإنساني قرأ الراحل تفاصيل منطقته واستقرأ قلوب سكانها فأدى الواجب وأتم الأمانة في وقت وجيز تاركا من سر روحه المبدعة اتجاهات جهر تنطق بها الشواهد التنموية.
في عسير.. خاوية تلك الأماكن بعد الرحيل لكنها ضاوية بومضاته وركضه الذي كان يسابق به بعد نظره.. تشربت عسير «الحزن» ولكنها شربت «المجد» في كفاءة بشرية لن تغيب وستبقى صورته تعانق ضبابها وسيظل صوته يرافق زخات أمطارها..فقد الوطن «رجل دولة» ولكنه سيبقى «أنموذج أجيال».
بين النبل والفضل والجميل والرحيل عاش الأمير منصور في معادلة إنسانية فريدة.. رحل جسدا ولكنه سيبقى في ذاكرة الوطن واستذكار «القيادة « نصير مسؤولية وقرين مجد..