فهد بن جليد
فجأة أصبح معظم الناس هذه الأيام في المناطق التي شعر فيها السكان بتبعات زلزال النماص مؤخراً، يتحدثون بلغة (مقياس ريختر) أكثر من أي لغة أخرى - هذا جيد شرط أن يكون بعلم أو فهم أو ثقافة - أو على الأقل بنقل يستند على مصادر موثوقة، أمَّا استخدام مُصطلح (ريختر) للترويج للشائعات التي يتناقلها الناس بجهل، فهو أمر مُزعج يجب أن يتوقف حتى لا يزيد من مخاوف الناس بمُجرَّد سماع هذا المُصطلح الذي ارتبط هيئة المساحة الجيولوجية السعودية تستهدف هذه الأيام طلاب المدارس لتوعيتهم أكثر في هذا الجانب حتى ينقلوا هذه الثقافة لمنازلهم، ويواجهوا مثل هذه الإشاعات عند تداول معلومات مغلوطة، وهذا أمر جيد ورائع يقضي على الإشاعات ويثقف الناس أكثر حول الزلازل وتأثيراتها وكيفية حساباتها العلمية وأخطارها، ودور الهيئة المنوط بها كمركز رئيس للشبكة الوطنية للرصد الزلزالي، وتوفير قاعدة للمعلومات اللازمة، عقد دورات ومحاضرات توعوية وتثقيفية لشرائح مُتعددة من المجتمع خطوة مُتقدمة حول كيفية رصد الزلازل, وهل يمكن التنبؤ بحدوثها, والفرق بين الزلزال وتوابعه من الهزات الخفيفة التي قد يشعر بها الإنسان ولا توجب الخوف أو الهلع, مما يحدث في القشرة الأرضية, وللأمانة كنَّا بحاجة لمثل هذه الخطوة مُبكراً, وعلى مستوى أوسع من مساحة الوطن ليشمل جميع المناطق .
تجربة الأسابيع الماضية عقب (زلزال النماص) وتبعاته من الهزات الأرضية المُتتالية، كشفت أنَّنا لم نكن مُستعدين لمثل هذه الثقافة مُجتمعياً على الأقل - لأنّ المملكة ولله الحمد آمنة من الزلازل - فشعور الناس ببعض الهزات الخفيفة التابعة واللاحقة في بعض المناطق, والتي لا يجب الإعلان عنها بحسب مؤشرات وقواعد الرصد المُتبعة والمُعترف بها عالمياً، أثارت المخاوف لأنّ هناك من يصطاد في المياه العكرة ويستغل جهل المجتمع بهذه الثقافة بشيء من التهويل والتخويف عبر مواقع التواصل الاجتماعي, وكانَّ الهيئة تخبئ شيئاً ما, لا تريد اطلاع الجمهور عليه، وهذا مناف للواقع, إذ لا يمكن ابتداءً لوم أي جهة في العالم عند حدوث زلزال لا قدر الله وعدم الإعلان عنه مُسبقاً, فمهما تقدم العلم الجيولوجي، ومهما امتلكت الدول من أجهزة رصد وتنبؤ وتتبع، فإنَّ هذه المسألة قد تحدث خلال لحظة واحدة، ولا يمكن التنبؤ بحدوثها القبلي، والفرق الوحيد بين الدول هو في الاستعداد للتعامل معها وكيفية تخفيف آثارها بنوعية المباني، وجاهزية فرق الإنقاذ والتدخل، ووجود خطط استعداد, وقبل كل هذا المراهنة على ثقافة السكان وفهمهم لما يجب القيام به، وهو برأيي ما يمكن أن تلعب جزءاً مهماً منه هيئة المساحة الجيولوجية في تحركها المجتمعي الأخير.
وعلى دروب الخير نلتقي.