عبدالعزيز السماري
ما يحدث في بلادي العزيزة ليس أحداثاً عابرة أو خطباً رنانة تتبخر معانيها بانتهاء إلقائها، لكنه حراك تاريخي غير مسبوق، وأعترف لأول مرة في حياتي أنني شعرت بالتاريخ يتحرك، وأن الوطن سيذهب بعيداً في مرحلته القادمة إلى حيث المجد والأنفة والكرامة والإنجاز، ولأول مرة أشعر بأن معاني أبيات المتنبي الشهيرة قد تحققت على أرض الواقع:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
نحن أكثر أمة عاشت في الجدل منذ الفتنة الأولى في القرن الأول، فقد تفرقنا إلى فرق وجماعات متناحرة، ووصلنا إلى مراحل متوالية من التناحر والاقتتال على أسباب ظنية أو أوهام غير ثاتبة، فكان الثمن جموداً للتاريخ عبر مراحل متعددة من الزمن المختلف، فلم يجرؤ أيّ كان أن يتحرك خارج الصندوق، فكان الجمود قدراً للجميع، ولو استثنينا مرحلة المأمون وبعض مراحل العهد الأندلسي التي حفلت ببعض المحاولات للخروج من الدوران حول أنفسنا.
ما يجري في بلادي هو تسونامي تاريخي، ويحمل فكرة واضحة للجميع، فتعدد السلطات المتناحرة في المجتمع كان سلبياً للغاية، والعمل على توحيد السلطة في المرجعية العليا للملك عمل جبار تم إنجازه، وسيدرك الجميع يوماً ما عظمة هذا الإنجاز العظيم، وتعدد السلطات أحد أهم أسباب الفتن في التاريخ، إذ لا يمكن لمجتمع أن تديره سلطات متعددة ومتناقضة في كثير من الأحيان، ومن ثم ينجو من الفوضى، ومن الممكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وهو سيناريو تمت إعادته في التاريخ مرات عديدة، والسبب فتح الباب على مصراعيه لتناحر الأيدولوجيات.
دخلت الأيدولوجيات التاريخ الأوروبي لتشعل الجدل اللفظي في العقل الأوروبي بلا معنى، وساهم الواقع الأوروبي بتضخيم التجريد والتنظير الفارغ، ولم يكن أمام نابليون بونابرت إلا الانقلاب على إنجازات وطموحات الثورة البرجوازية وجد نفسه في مواجهة الأيديولوجيين، وأختار المضي في مواجهتهم،وحول الأيدولوجيا من حارس للتنوير والثورة إلى أصوات لفظية لا معنى لها.
قد أستطيع القول أنه لأول مرة في التاريخ يتعالى الحراك السياسي على الخطاب الثقافي ويسبقه بمراحل، فقد ظهر الثقافي مذهولاً أمام حجم التغيير الوطني، وهو ما يعني أن عليهم مراجعة أطروحاتهم النخبوية والمستوردة في كثير من الأحيان، فالتاريخ تصنعه الأفعال العظام، وذلك ما حدث، وسيكتبه عنه التاريخ بحروف من ذهب في مستقبل الأيام.
حالة الصمت الثقافية تعني الذهول وعدم استيعاب الحراك التاريخي الحالي، وبغض النظر عن تفاصيل حركة التاريخ الحالية، ما حدث هو أشبه باجتياح طوفان عملاق للمجتمع على طريقة أفيقوا من سباتكم وفسادكم، فقد دقت ساعة الانطلاق نحو المستقبل، ولم يعد أمامكم إلا الاستعداد والانضباط أمام سلطة القانون الأعلى.
تستحق هذه البلاد التي وحدها الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه - ورجاله العظام أن تكون في موضع الشمس في محيط اعتاد أن يتحرك في مكانه منذ قرون عديدة، فمن هنا ظهرت العروبة، ومن هنا خرج الإسلام، ومن هنا بزغت شمس الحضارة العربية، ويجب أن تكون أيضاً من هنا الحركة التي تعيد لعقارب الساعة حركتها الدؤوبة في اتجاه المستقبل.
أدرك جيداً أن كلماتي قد لا تعني الكثير لما يحدث في عصر ملك الحزم والعزم الملك سلمان -حفظه الله -، وبمساهمة قيادية من ولي عهده الفذ الأمير محمد بن سلمان، فالأفعال كانت ومازالت تسبق الكلمات والأقوال، وتصل بسرعة خيالية لعقول الناس وتؤثر فيها بأضعاف المرات من مجرد كلمات عابرة، والرسالة وصلت أيها القائد العظيم، فشكراً لك ولولي عهدك الأمين.