لبنى الخميس
ما هو أكثر شيء ندمت عليه في حياتك؟ عندما توقفت حينما كان عليك الاستمرار بالمحاولة، أم أنك حاولت حين كان يجب عليك التوقف؟ هل هو عندما قصرت في التعبير عن رغباتك.. أحلامك.. ومشاعرك؟ أم أنك بالغت في الإفصاح عنها؟ هل لأنك لم تكمل تعليمك؟ لم تهتم بصحتك؟ لم تعتنِ بأفراحك؟ ولم تنصت لآلامك؟ أو لألف سبب وسبب... آخر!
لست وحدك، 90 في المائة من البشر لديهم حدث جوهري يندمون عليه، وحين يقفون أمام مرآتهم تتراءي أمامهم أحاسيسه وتفاصيله المربكة، ذلك الشعور الذي أفصحنا به.. أو الكلمات التي ترددنا في البوح بها.. أو تلك الفرصة التي تهاونا في انتهازها.
فما هو الندم؟ هو ذلك الصوت الذي يصدح في أعماقك.. كان بإمكانك تفادي ذلك الجرح.. وتجنب ذلك القرار.. كان بوسعك أن تتصرف.. تعبر.. تقرر.. وتكون.. شخصاً أفضل! الندم هو عينيك التي تراقب عقارب الساعة وتتمنى إعادتها، وأقدامك التي تتمنى إرجاع خطاها.
وعلى الرغم من أن الندم شعور إنساني بالغ القدم وواسع الانتشار.. من يجلس بجانبك في مقاعد الدراسة.. وأمامك في مقعد الطائرة.. ومن حولك في جمعة الأصدقاء.. يندم على أشياء مختلفة لا تحرك فيك ساكناً.. على أحداث مرتبطة بتاريخه.. وظروفه.. وتفاصيل قصته.. بل ونظرته لنفسه.. مو أنا اللي يغلط هالغلطة.. مو أنا اللي يفوتني هالقرار.. مو أنا اللي ينلعب علي بهالشكل!
وعلى الرغم من أن الندم يبدو واضحاً بأسبابه وكثافة أحاسيسه إلا أنه يمر بمراحل عدة.. أولها الإنكار.. أن تسعى لتشتيت انتباهك قدر المستطاع عن ذلك التصرف الذي ارتكبته، تحادث صديقك، ترتب غرفتك، تتمشى بدون وجهة، تمارس أي شيء يصرف ذهنك عن تحليل الموقف وتذكر تبعاته.. أما المرحلة الثانية فهي الحيرة والارتباك تجاه ما قمت به.. كيف صدقت هذا الموضوع؟ كيف صرفت هذا المبلغ أو اتخذت ذلك القرار؟ أما المرحلة الثالثة فهي تأنيب وجلد الذات، وعدم التعاطف مع شعورنا بالاندفاع، أو وقوعنا في الفخ أو تساهلنا مع الخطأ، وأضيف عليها مرحلة التبرير، كنت صغيرة وغير ناضجة فدخلت مع صحباتي هالتخصص، كنت محتاجاً هالمبلغ فاضطريت أبيع بيتي، حاولت أن أعتذر بس هي ما عطتني فرصة، ضحيت كثيراً بس طلع ما يستاهل!
وهذا يقودنا للحديث عن أكثر المجالات التي يندم عليها البشر. تقول الإحصاءات تحظى العواطف بنصيب الأسد في مجالات الندم، حيث تندم المرأة على قراراتها العاطفية بنسبة 44 في المائة بينما يندم الرجل بنسبة 19 في المائة فقط. تليها العائلة ومن ثم التعليم مثل إكمال مشوار التعليم وعدم تغيير التخصص، وبعدها المجال المهني، عن اختيار الوظيفة، ومدة مكوثك فيها، أو تفضيلك المال والاستقرار الوظيفي مقابل ممارسة عمل تحبه.
سألت المتابعين عبر حسابي في سناب شات ما هو أكثر شيء ندمتم عليه في حياتكم؟ فوجدت تفاعلاً كبيراً ومهيباً مع السؤال.. رغم أني طلبت أن يكون الجواب من سطر واحد، البعض لم يستطع مقاومة رغبته في البوح والمشاركة، حول السطر إلى قصة.. والجواب.. إلى باب.. تجاه الماضي بكل خيباته وآلامه.
تنوعت الإجابات بصورة كبيرة.. لكنها التقت كثيراً وتقاطعت في النقاط التالية: الزواج المبكر، عدم إكمال التعليم، إضاعة الفرص.
لا أعرف حقيقة أعمار المشاركين، لكني أفترض جدلاً أنهم في سن الشباب.. حيث صوت محاسبة الذات أعلى.. وحجم التوقعات أكبر.. فالندم مرتبط بوعينا.. فما قد نندم عليه اليوم.. قد نحتفي به غداً.. وما قد نحتفي به اليوم قد نندم عليه غداً.