د.عبد الرحمن الحبيب
كان بمخيلة حكام إيران ووكلائهم بالمنطقة أنّ إطلاق صاروخ باليستي إيراني من اليمن إلى العاصمة السعودية، سيمر على المملكة وكأنه جزء من الحرب على الحوثيين وقوات التمرد في اليمن، لكن بعد أن تم اعتراض الصاروخ دون أن يحدث أية إصابات، جاء الرد السعودي مختلفاً..
جاء الرد السعودي حاسماً وصارماً.. فقد قامت القوات السعودية بضربات موجعة لعدد كبير من مواقع عسكرية على الخارجين عن الشرعية اليمنية من الحوثيين وقوات التمرد في اليمن، وأهمها ضرب وزارة الدفاع في صنعاء، وتم على الفور إغلاق جميع المنافذ التي توصل الأسلحة الإيرانية لقوات التمرد، ثم أعلن عن قائمة بالمطلوبين الحوثيين، تلاه بيان حاد للتحالف العربي، ثم تصريحات أمريكية مؤيدة للموقف السعودي..
وبعده بأيام أعلنت فرنسا للمرة الأولى أنها ستراجع الدعاوى الأمريكية بالتجاوزات الإيرانية، وتغير موقفها بأنّ إيران لم تتجاوز روح الاتفاقية النووية، شمله تغير بالموقف الأوربي بشكل عام كما عبر عن ذلك وزير الخارجية البريطانية في محادثة مع سمو ولي العهد.. وكذلك بزيارته للرياض حذّر الرئيس الفرنسي ماكرون من تعديات إيران بالمنطقة. إلا أنّ الأهم هو الموقف السعودي الحاسم في مواجهة العدوان الإيراني بالمنطقة الذي يحاول الامتداد للرياض، ومواجهة وكلاء إيران وعلى رأسهم «حزب الله». ولا زلنا نتوقع مزيداً من المواقف السعودية ما لم تتراجع إيران وحزب الله عن أعمالهم العدوانية.
الموقف السعودي تطور كثيراً عن ذي قبل، فلم يَعُد ذلك الموقف المتسامح الحليم الذي يفضل الدبلوماسية الهادئة والصبر والعمل خلف الكواليس واستخدام الأساليب الناعمة.. فكل هذه الأعمال الحليمة لم تجد نفعاً مع إيران.. فلا يمكن لإيران أن تساعد في إطلاق صاروخ على العاصمة السعودية وتقول لا علاقة لي بالأمر.. بل ستدفع ثمناً باهظاً يتعدى الاكتفاء بالاحتجاجات الدبلوماسية.. فسبق لإيران كثيراً أن تجاوزت الخطوط الحمراء لكنه كان تهديداً لاستقرار المنطقة وللمصالح السعودية، أما الآن فقد أصبح تهديداً وجودياً للسعودية لا يمكن التسامح معه، ليعرف الإيرانيون ووكلاؤهم أنهم سيدفعون ثمن مثل هذه الأعمال الإجرامية..
الرد السعودي أتى بنتيجة مهمة، فرغم استمرار الردود والتعليقات العدوانية من إيران وحزب الله، إلا أنّ حدتها خفَّت وصاروا يتحدثون عن التهدئة!! كما أنّ تباهي إيران وحزب الله بدعم الحوثيين استبدل بإنكار أي تدخل.. لقد أدركوا أنّ المملكة حازمة بإعادة صياغة وجود حزب الله.. وهم الآن يحاولون تشتيت الأنظار حول زعمهم بأنّ الحريري محتجز بالرياض رغم أنه يتنقل بحرية وسافر خارج المملكة. ويبدو أنّ ذلك لتحريض الحريري على القدوم للبنان وكأنّ المجتمع الدولي ينسى جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري على أيدي حزب الله.
السؤال، الآن، ماذا بعد، هل نحن بصدد حرب قادمة؟ نحن في أجواء حرب ومواجهة سببها إطلاق الصاروخ الإيراني على الرياض، وحزب الله هو جزء أساسي من هذه الحرب.. فلا بد من تقليم مخالبه سواء اقتصادياً بمزيد من العقوبات الاقتصادية وتشديد حصاره مالياً وملاحقة غسيله للأموال وتهريبه للمخدرات، وطرد مؤيديه من دول الخليج العربي. وقد يشمل ذلك عقوبات اقتصادية على لبنان طالما أن حزب الله يسيطر على مفاصل القرار فيه ويأتمر بأوامر إيران، كما هو يُصرح بأنّ مرجعيته وولاءه للمرشد الإيراني وليس للبنان.. أي أننا بصدد عقوبات اقتصادية على لبنان لكن التركيز سيكون على حزب الله، فلبنان واللبنانيون هم أشقاء للسعودية والسعوديين..
السعودية عازمة على تقليم مخالب حزب الله.. فما طلب الدول الخليجية وبعض الدول الغربية مغادرة رعاياها من لبنان، والتسريبات بخصوص تحركات عسكرية وعمل كبير تجاه حزب الله، إلا تأكيد أنها تهديدات جادة بعمل عسكري. ليس بالضرورة أن تكون خلال الأيام القادمة، ولا أن تكون حرباً بل قد تكون ضربات عسكرية خاطفة ضد الحزب خارج لبنان.. وأخيراً ليس بالضرورة أن تكون ضربة سعودية منفردة فقد تكون أمريكية وخليجية..
الحل الوحيد لكل ذلك هو بعودة هذا الحزب إلى حجمه الطبيعي في لبنان.. والمشاركة مع كافة الأطراف اللبنانية على قدر من الندية وليس فرض أجندة إيران على لبنان، من خلال مليشيات هذا الحزب التي خطفت الدولة اللبنانية كما عبّر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير..
الجبير ذكر في مقابلة على قناة CNBC حول تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمعارضته الحرب، قائلاً: «أعتقد أنّ ذلك [تصريح السيسي] يتماشى مع ما يفكر به الجميع في المنطقة، نقول إنّ علينا أن نجد طرقاً للحد من نفوذ حزب الله وأضراره وعلينا أن نجد سبلاً للضغط على أنشطة حزب الله الإرهابية وتدخله بشؤون بلدان أخرى بناءً على طلب إيران، وليس هناك تناقض في المواقف.».
السعودية داعية سلام وليست داعية حرب.. السعودية تبني في لبنان وإيران تهدم.. السعودية تقدم المساعدات الاقتصادية لبناء مشاريع التنمية بلبنان، وإيران ترسل الأسلحة لمليشيات عملائها.. والآن ترسله للحوثيين.. ومن هنا، فإنّ السعودية سوف تغير قواعد اللعبة بضرب من يهددها وضرب المعتدين عليها في عقر دارهم.. فالسلام لا يتحقق إلا بضرب المعتدين عليه..