خالد بن حمد المالك
هذا زمن الإصلاح على مستوى الوطن، والإصلاح الذي نعنيه لا يقتصر على نزع جذور الفساد، واقتلاع كل أسبابه، والتوجه نحو إنفاق على برامج التنمية لا يشوب تمويلها شائب، وإنما إلى جانب ذلك إصلاح المؤسسة الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية، والإقلاع بطائرة التخطيط والبناء الصحيحين، بعيداً عن كل المعوقات التي حالت دون وصول البلاد لتحقيق كل طموحاتها.
* *
الفساد جزء مهم في التركيبة الخطأ في ممارسة أعمال الدولة وليس -على أهميته- هو الوحيد المهم، فهناك حاجة إلى عمليات جراحية صعبة لكل أمراض المجتمع ومؤسساته الفاعلة، وهناك إجراءات إصلاحية مهمة بدأت ويجب ألا تنتهي عند هذا الحد، أو تقف دون أن تقوم بقصف كل ما يسيء إلى مصالح الوطن، أو يحرم المواطن من حقوق يجب أن يتمتع بها.
* *
عندما يطبَّق القانون بحزم، دون أن يستثني أحداً كما يحدث الآن، ويُفتِّش عن كل الأخطاء الجسيمة وتتم معالجتها على الفور، وفق دولة المؤسسات، والأنظمة المرعية، هنا يخاف الناس من المساءلة والتجريم، ومن ثم العقوبة المستحقة، وهنا يصحو الضمير، ويفكر الجميع بما سيؤول إليه وضع كل مجرم فيما لو تمادى في ممارسة أعمال تتعارض مع سِلم المجتمع ومسلماته، وهذا هو ما ينبغي أن يكون هدف المملكة الذي تستحق أن تصل إليه.
* *
رؤية المملكة وبرنامج التحول الوطني، وكل المشروعات الضخمة التي أعلن عنها لا قيمة لها في غياب أو تغييب القوانين، إذ لا ثقة ولا إمكانية لنجاح الخطط والبرامج والتطلعات المستقبلية إذا لم يصاحبها إعادة النظر في كل أنظمتنا ومراجعتها كما وجه بذلك الملك سلمان، وسيبقى هاجس الخوف والتردد طابع التعامل مع كل جديد ما بقي الشعور بعدم الثقة مسيطراً على أذهاننا، اعتماداً على مناخ سابق لم يكن يساعد على إنجاح وإنجاز ما تحتاجه البلاد على النحو الذي يستحقه المواطن وتحتاج إليه البلاد.
* *
لا أحد ينكر أن عيوباً وضعفاً في كثير من الأنظمة والقوانين ساعدت على ترهُّل الوزارات مع تدني في مستوياتها وعطاءاتها، وأن الكثير من مؤسسات الدولة يشكو من ضعف وهدر للمال دون عائد يوازي هذا الإنفاق المالي الكبير، وأن مرجعيات المراجعة والمحاسبة في الماضي كانت من الضعف لدرجة عجزها عن تحقيق الحلم الذي تحدث عنه الأمير محمد بن سلمان ووعد بتحقيقه، وهذا ما كان يشكِّل معضلة أمام أي إصلاح مرتقب.
* *
الآن لن تُرتَهن البلاد لديوان المراقبة، والممثل المالي، والحساب المفتوح الخياري أمام اللصوص لإيداع ما سُرق ونُهب من أموال الدولة، ولن يكون دور (النزاهة) كما الماضي الاكتفاء بتقديم النصح والتذكير فقط بأدبيات التعاليم الإسلامية التي ترفض هذا السلوك، والأمر كذلك مع الرقابة والتحقيق، والمباحث الإدارية وغيرها من المؤسسات المعنية بمتابعة المسيرة الإصلاحية للبلاد، فالإجراءات الأخيرة لا تسمح بالتثاؤب أمام التجاوزات الجسيمة.
* *
بدءاً من الآن سيكون التعامل مختلفاً وجاداً وذا حزم وعزم، وإرادة صلبة وقوية، آخذاً بما يحفظ للمملكة - بالقوانين والتشريعات- حقها في الإصلاح وبناء الإنسان والمؤسسات، وتوظيف المال العام بما يخدم أهداف رؤية المملكة، ويلبي متطلبات وطموحات المواطنين، ويستجيب لتطلعات الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان في إقامة دولة حضارية لها قوتها العسكرية والاقتصادية، وتمتلك كل أدوات التطور المنشود.
* *
ليس هذا فقط ما نشير إليه، ولكن الفساد يكون أيضاً لديه في العادة المقدرة على ضرب الوحدة الوطنية إذا لم يتم إصلاح كل المعوقات التي حرمت المواطن على مدى سنوات من حقوقه بذريعة الغيرة على الإسلام، واستخدام التعاليم الإسلامية بغير مكانها الصحيح، ضمن تسييس الدين لأهداف مشبوهة، الغرض منها خلق جو من الفوضى في البلاد، والمساس باللحمة الوطنية، وإيجاد فجوات في النسيج الاجتماعي، وخلافات بين أفراد الوطن.
* *
المملكة تواجه الآن حرباً إصلاحية في الداخل، وحرباً أخرى على جبهات الحدود مع من يشكل خطراً على أمنها واستقرارها، وفق تخطيط مدروس، وحسابات مدروسة، وتطلعات نحو الغد الأفضل، يكرس كل هذا إمكانات عسكرية واقتصادية ومالية كبيرة، وشعب متلاحم مع قيادته، وصولاً إلى تحقيق الكثير من الإنجازات، وبحسب سلم الأولويات، والقادم أكثر وأكبر وأهم إن شاء الله.