إبراهيم عبدالله العمار
الكل يظن أنه أفضل من الشخص العادي في أي شيء يفعله (ظاهرة «أفضل من العادي»)، والكثير من الاستقصاءات أكدت هذا، سواءً على طلاب أو مدرسين أو أطباء أو رؤساء شركات. المفارقة هي أن الناس عادة ينتبهون لأن المبالغة في تقدير الذات والثقة الزائدة مشكلة... لكن فقط في الآخرين وليس في أنفسنا! بل إننا نبالغ في تقويم قدرتنا على مكافحة المبالغة في تقويم قدرتنا عن مهاراتنا!!
هذه من طرائف التفكير البشري، ولدي سؤال آخر لك، لكن دعني أضع تشبيهاً في الأول: إنّ المحامي يبدأ بالاعتقاد أو الاستنتاج المرغوب إثباته، وينشد أدلة تدعمه وأدلة تنقض ما يعارضه. أما العالِم فعكس ذلك: يجمع الأدلة أولاً ويكوّن النظرية ويختبرها ثم يختار الاعتقاد. سؤالي: كيف تفكر أنت؟
إنّ المخ يتبع كلا الطريقتين، وبشكل أصح هو عالم جيد، لكنه محامٍ رائع! وهذا شيء أظهرته دراسات كثيرة، ويفيدنا العلماء أن العقل اللاواعي يستخدم بيانات محدودة في صنع نسخة من العالم تبدو حقيقية، وكيف أن الإدراك والذاكرة والمشاعر كلها مصنوعة، ركّبها المخ من بيانات خام ومنقوصة وأحياناً متناقضة، لذلك فإنّ نظرتنا للعالم دائماً فيها أخطاء وتشويهات، لكن ليس اللوم على أدمغتنا، فالحياة معقّدة مليئة بالمعلومات، والإبهام الذي تسببه الظروف المختلفة يعطي لا وعينا وليمة من العناصر لتختار منها وتصنع نسخة مُرضية من الواقع.
هذا منتشر في كل مكان... حتى بين العلماء! على سبيل المثال في إحدى الدراسات طُلِب من الطلاب الخريجين في جامعة شيكاغو أن يقيّموا أبحاثاً عن مواضيع كان لهم عنها آراء، لكن لم يعلموا أنّ تلك الأبحاث زيّفها الباحثون الذين أجروا الدراسة، ولكل موضوع رأى نصف الطلاب بحثاً يؤيد جانباً، بينما النصف الآخر رأوا بحثاً يؤيد الجانب الآخر، وكل شيء في البحث ومنهجيته ومظهره متشابه بين الجانبين، ولما سُئلوا عما إذا كان رأيهم عن الموضوع سيؤثر على تقييمهم للبحث نفوا هذا، لكنهم أخطأوا، وتحليل الباحثين أظهر أنهم فعلاً كتبوا في تقييماتهم أنّ الأبحاث التي دعمت آراءهم أصح علمياً وأفضل تقديماً من الأبحاث التي تعارضت مع آرائهم.
نعم، صحيح أنّ التاريخ يُظهِر أنّ النظرية الأفضل هي التي تنتصر، لكن أيضاً صحيح أنّ العلماء الذين لديهم تحيُّز ورأي معيّن في نظرية مقبولة أحياناً يعاندون ويتشبثون باعتقاداتهم.
فما بالك بنا نحن؟