د. محمد عبدالله الخازم
ألقى معالي وزير التعليم كلمة شاملة في اجتماعات اليونسكو بباريس مؤخراً، وباعتبار الخطاب موجها لمنظمة دولية فهو يعكس التوجهات العامة للتعليم ويتسم بالشمولية دون الدخول في التفاصيل. لذلك لا أناقشه من ناحية التفاصيل وإنما لفت انتباهي في الخطاب نقطتان إيجابيتان، أرجو أن تكونا توجهاً حقيقياً لدى الوزارة نلمسه في أرض الواقع...
النقطة الأولى وفق نص الخطاب «أن نظام التعليم في المملكة غير مركزي، فالجامعات لها استقلاليتها المالية والإدارية، وكذلك إدارات التعليمِ العام في مناطقِ المملكة الإدارية الـ 13، إلا أن وزارة التعليم تتولى الإشراف والمراقبة في تطبيقِ المعايير والأنظمة وسنِّ القوانين التعليمية العامة، حيث إن هناك تعاونا وثيقا بين وزارة التعليم والمؤسسات التعليمية.»
هل فعلاً إدارات التعليم في المملكة مستقلة من الناحية المالية والإدارية؟ الواقع يشير إلى أن ذلك غير متحقق في الوقت الراهن، لكنه أمر مطلوب وبشدة لتسهيل عمل الوزارة وتفكيك المركزية القاتلة فيها. إدارة وزارة التعليم معقدة جداً نتيجة ضخامتها ومركزيتها، لذلك سعدت بوعي الوزير حول هذه النقطة. أتمنى تحويل هذا الخطاب إلى برنامح عمل حقيقي و أطالب الجهات ذات العلاقة بالتنظيم الإداري والمالي في المملكة المسارعة في تحقيق استقلالية المناطق التعليمية مالياً وإدارياً وتوظيفياً.
النقطة الثانية إشارة معاليه إلى «أن المملكة تبنت مقترحا لتعزيز الشخصية السعودية، وتعمل على إصدار ميثاق خاص بالشخصية الوطنية يحدد ملامح الشخصية السعودية في القرن الحادي والعشرين وينبثق منه العديد من البرامج التربوية والإعلامية.»
ومن شدة حماسه لهذه الفكرة وجودتها أضاف معاليه «أدعو المؤتمرين إلى تبني هذا المقترح الذي يهدف إلى تعزيز شخصية الفرد وتنميته وتحفيزه نحو النجاح والتفاؤل والعمل على وقايته من أخطار الفكر المتطرف أياً كان مصدره، وإنني إذ أدعو إلى تبني هذا المقترح ونحن مستعدون للتعاون مع المنظمة وأي دولة عضو وتقديم ما لدينا في هذا المجال».
تعزيز الشخصية الوطنية مطلب مهم، يمكن تحقيقه من خلال تطوير منظومة قيم نتبناها في التعليم والتوظيف والأنظمة. القيم أكبر من فكرة مجابهة التطرف، حيث التطرف يعتبر نتيجة وسيختفي ضمناً عندما تغرس قيم اخرى نحتاجها في التعليم، كقيم التنوع وقبول الآخر ونبذ التمييز والتعريف بحقوق المواطنة واحترام المال والممتلكات العامة وتطوير الحس النقدي وتطوير مهارات تقدير العمل.. إلخ. غرس القيم وتطوير الشخصية لا يتم من خلال محاضرة أو تعميم أو مادة دراسية. فكرة مجابهة التطرف بشكله الذي تتبناه بعض الجهات ومنها التعليم أوجد برامج نظرية تلقينية وسطحية مثل فطن الذي تم إيقافه.
الأمر يحتاج نقاش فكري للخروج بقيم تشكل قوام الشخصية الوطنية التي نريدها. نحتاج غرس القيم من خلال الممارسة اليومية في الفصل والممارسة في النشاط وفي رسائل المسؤولين وفي الإعلام وفي إيجاد القدوات وفي برامج التطوع وفي خدمة المجتمع وفي تشجيع العمل الطلابي... إلخ.
أكرر إيجابية تقليص مركزية التعليم عن طريقة استقلالية المناطق التعليمية و ببناء منظومة قيم وطنية يتم غرسها من خلال مراحل التعليم المختلفة. و سنسأل معالي الوزير مستقبلاً عما تحقق في هذا الشأن!.