«الجزيرة» - عبده الأسمري:
كشف السفير الفنزويلي لدى المملكة السيد خوسيبا اتشوتيغي في حوار خاص مع «الجزيرة» أن السعودية تمثل مثالا عالميا في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية مشيراً إلى أن هنالك لجنة مشتركة رفيعة المستوى بين البلدين تقوم على رفع مستوى التعاون وايجاد سبل جديدة من التعاون في عدة مجالات ودعم توقيع اتفاقيات موضحا أن المملكة وبلاده يسعيان في تقوية منظمة أوبك والحفاظ على أسعار النفط مشيراً إلى أن السعودية قامت باحتواء المرأة كعامل منتج مساهم في التنمية مبديا إعجابه بضيافة المجتمع السعودي وتطرق إلى العديد من النقاط في سياق الحوار التالي:
* ما هي أبرز الأنشطة والمهام والأعمال التي تقوم بها السفارة لديكم في كافة الجوانب؟
- تقوم السفارة بالأعمال التي من شأن أي ممثلية دبلوماسية أن تنجزها كاللقاءات والاجتماعات مع السلطات العليا والشخصيات المهمة في مختلف المجالات في الدولة المضيفة. كما تقوم السفارة بكتابة تقارير ومتابعة الصحافة والوسائل الإعلامية المحلية بالإضافة للعمل القنصلي والثقافي ودعم المفاوضات التي تجري لتوقيع اتفاقيات وغيرها من الوثائق القانونية ومتابعة تنفيذها.
ومن الجدير بالذكر أيضا أن مهمتنا الدائمة تتمثل في التعريف والدفاع عن المبادئ التي تنظم السياسة الخارجية الفنزويلية (الكفاح من أجل عالم متضامن ومتعدد الأقطاب وينعم بالسلم، اتحاد أمريكا اللاتينية، احترام السيادة وحق الشعوب في تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لباقي الدول، إلخ) بالإضافة لمجهوداتنا اليومية لتعميق أواصر الصداقة مع المملكة العربية السعودية.
* كم حجم الاستثمارات الخاصة بدولة فنزويلا في السعودية وما أبرزها؟
- لا نستطيع التحدث عن حجم ثابت للاستثمارات الفنزويلية في المملكة حيث إنها تتسم بكونها مختلفة ومتقطعة. وعلاقتنا في قطاع الاستثمار تتركز في مجال الإنتاج والتنسيق البترولي، غير أن هذا الأمر آخذ في التغيير بشكل متسارع كوننا أجرينا مفاوضات على مستوى رفيع في السنوات الأخيرة لتنويع علاقاتنا في جميع المجالات إن كانت اقتصادية أو ثقافية أو تعليمية. حيث يتم التفاوض في إطار لجنة مشتركة رفيعة المستوى بين البلدين على مجموعة من النصوص القانونية وذلك خصيصا لتعزيز الاستثمارات المتبادلة والتعاون الثنائي في مختلف القطاعات.
* ما تخطيطكم في مجال رفع الاستثمار في السعودية تماشيا مع رؤية 2030 وفتح المجال أمام العديد من الاستثمارات الأجنبية النوعية؟
- في إطار اللجنة المشتركة رفيعة المستوى، تعتبر الاجتماعات مع السلطات العليا ومجالس الأعمال واللقاءات مع رجال الأعمال المساحة المناسبة لتعزيز الاستثمار المشترك وتقوية التعاون الثنائي. رؤية المملكة 2030 تتفق مع رؤية فنزويلا لتنويع ودعم جميع القطاعات المهمة في البلد بالتوازي مع قطاع الطاقة.
* كم عدد الجالية الفنزويلية العاملة في السعودية وما هي نشاطات أعمالهم؟
- طبقا لسجلاتنا، يقطن ما يقارب 1400 فنزويلي بالمملكة حيث يعمل غالبيتهم في قطاع البترول وفي أنشطة أخرى كالطيران والإدارة والطب المتخصص والفندقة.
* هل تنوون رفع فرص العمل لمواطنيكم في السعودية؟
- تتمتع المملكة العربية السعودية بكونها بلدا مزدهرا ذي اقتصاد قوي فهي تشكل قطبا يجذب العديد من الأخصائيين في العالم وبالخصوص خبراء فنزويليين شباب. وستزداد المملكة جاذبية تدريجيا مع تطبيقها لرؤية المملكة 2030 والتحديات الاقتصادية المنصوص عليها في خطة 2020 كما سيساعد التنوع الاقتصادي في المملكة على زيادة فرص العمل بها.
* هل هناك استثمارات سعودية في فنزويلا وهل تخطط بلادكم لفتح مجالات متجددة وإضافية أمام رجال الأعمال السعوديين في بلادكم؟
- ستساهم بلا شك تدابير الاقتصاد الكلي التي اتخذتها مؤخرا حكومة فنزويلا، بالإضافة لرغبة كلا البلدين في تعميق التعاون في مختلف المجالات في إطار اللجنة المشتركة رفيعة المستوى، في تشجيع الاستثمارات السعودية في فنزويلا وكذا التبادل التجاري الثنائي. تمتلك فنزويلا احتياطات نفطية ضخمة (أكبر احتياطات في العالم) ومعادن نفيسة من كل نوع كما لديها قدرات سياحية هائلة وهي جميعها أمور تجعل منها وجهة جذابة للاستثمار الأجنبي.
* ما هي جوانب التعاون بينكم وبين السعودية في مجال النفط خصوصا وأن الدولتين عضوان في منظمة أوبك؟
- يوحد كلا البلدين جهودهما لضمان سعر عادل ومتوازن للبترول من أجل استقرار سوق النفط العالمي كما ينسقان خطواتهما لتقوية منظمة أوبك. من المعروف أن الدول التي دفعت بقوة من أجل إنشاء منظمة أوبك أواخر الخمسينات هي المملكة العربية السعودية (عبر الوزير عبد الله بن حمود الطريقي) وفنزويلا (عبر الوزير خوان بابلو بيريز ألفونسو). ولقد تعمق التعاون في مجال النفط بين بلدينا على مدى ما يزيد عن خمسة عقود فمصالحنا هي ذاتها. هذا لا يعني أننا دائما ما كنا على اتفاق دائم بشأن الإستراتيجيات الواجب اتباعها لتحقيق الاستقرار لهذا المورد الطبيعي غير المتجدد الذي يسيطر على قطاع الطاقة في العالم ولكننا دائما ما استطعنا تجاوز أي خلاف ودائما ما كنا شركاء متعاونين. ولقد عملنا مؤخرا معا لإنشاء حوار فعال بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة أوبك وقد أسفر هذا التعاون عن نجاح في أهدافه.
* ما هي أوجه التعاون بينكم وبين السعودية في مكافحة الإرهاب وما تقييمك للعمل الأمني السعودي في هذا الجانب؟
- تعتبر المملكة العربية السعودية من أكثر الدول في العالم التي اتخذت تدابير ملموسة لمحاربة الإرهاب كونها من أكثر الدول التي تأثرت بهذه الظاهرة خلال العقود الأخيرة. وقد تعاملت الحكومة السعودية مع موضوع محاربة الإرهاب بشكل متكامل بحيث لم تقتصر على مهاجمة الفكر المتطرف بل وأخذت في عين الاعتبار العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية التي تساهم في انتشاره وفي جاذبيته. وقد كانت المملكة رائدة في تطبيقها لبرامج إعادة التأهيل للعناصر التي تم استقطابها بهذا الفكر وتعتبر المملكة مثالا عالميا لفعاليتها في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية والعمليات الجارية وذلك لكونها حليف مهم في التعاون بين وكالات الأمن والمخابرات الدولية.
* هل هناك اتفاقيات أمنية تنوون التعاقد بشأنها مع الجانب السعودي؟
- فيما يخص الأمن، تتعاون المملكة العربية السعودية وفنزويلا معا عبر القيام بواجباتهما والالتزام بالقوانين الدولية التي تحكمهما. وقد وقعت فنزويلا مؤخرا في إطار الدورة 72 للجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة على انضمامها لمعاهدة حظر الأسلحة النووية.
أما بالنسبة لمحاربة الإرهاب، فقد عبرت فنزويلا عن دعمها لكل الدول التي سقطت بها ضحايا جراء هذه الكارثة، وبالخصوص الدول العربية والإسلامية وهي أكثر من عانت من هذه الظاهرة، وقد نددت فنزويلا بقوة وعبرت عن رفضها للإرهاب في جميع أشكاله داعية لمعالجة الأسباب الكامنة خلف هذا العنف الذي لا يميز بين الجنسيات والأعراق والأديان.
فيما يخص التعاون الثنائي في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، تم بين المملكة العربية السعودية وفنزويلا في إطار اجتماعات اللجنة المشتركة رفيعة المستوى استحداث اتصالات بين المؤسسات المعنية في كلا البلدين للمضي قدما في رسم مشروع اتفاقية والتي قد تستغرق وقتا لإتمامها نظرا لأسباب تقنية ولحساسية الموضوع.
* كيف تصف الحياة في السعودية وماذا انعكست عليك أنت وأسرتك وماذا شد انتباهكم في الحياة اليومية؟
- تتميز الحياة في المملكة العربية السعودية بكونها هادئة ومستقرة. يتمتع المواطن السعودي بحس عال للضيافة مما يسهل إقامة الأجانب في المملكة. تحترم السلطات بشكل كبير المجتمع الدبلوماسي كما أنها جد متعاونة في جميع الأمور التي احتجنا فيها للمساعدة والدعم الإضافيين، لدى زيارة سلطات فنزويلية عليا (الرئيس ووزراء) المملكة على سبيل المثال، وذلك بدون إشعار مسبق بوقت كاف. من وجهة نظر عائلية يومية، هناك أمور مختلفة جدا عن بلدي فيما يخص ملابس النساء وأمور مثل سياقة السيارات. من المؤكد أن جهل اللغة العربية عامل يعيق الحياة اليومية في هذا البلد ولكن يسعني أن أقول أن تجربة العيش هنا كعائلة إيجابية بشكل عام.
* تهتم بعثات دولية بجوانب التراث في المملكة العربية السعودية. ما نصيب دولتكم في هذا الجانب؟
- نحن معجبون بالتراث الثقافي للمملكة العربية السعودية. ولقد اكتشفت خلال السنوات التي قضيتها في المملكة جوانب مثيرة للاهتمام بشكل كبير. ولقد ساهم معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية» بشكل كبير في التعريف بالتراث التاريخي والثقافي للمملكة العربية السعودية وكنوزها الأثرية التي لا يعرف عنها غالبا الجمهور، وهو المعرض الذي تجول حول العالم وحصل على إشادة كبيرة. زرت بعض المناطق في المملكة العربية السعودية وشاهدت تنوعا ثقافياً وتاريخياً كبيراً. ولقد أعجبت شخصيا بالجمال الطبيعي الخلاب والمناظر الطبيعية الرائعة أثناء زيارتي لمدائن صالح ناهيك عن قيمتها التاريخية والأنثروبولوجية وهي المنطقة التي أنصح بزيارتها كونها استثنائية.
* هل هناك تعاون سياحي فيما يخص بعثات سياحية أو ثقافية حاليا وما تخطيطكم في هذا الشأن؟
- نحن نعمل عن طريق اللجنة المشتركة رفيعة المستوى وفي إطار اجتماعات بين سلطات عليا حكومية ورجال أعمال على تقوية التعاون في هذه المجالات. نحن كفنزويليين فخورين جدا بالقدرات السياحية الغنية لبلادنا. لدينا جبال وقمم ثلجية بارتفاعات تتجاوز 5000 متر وشلالات رائعة (أعلى الشلالات في العالم إذ يبلغ الارتفاع الكلي لها 979 متراً) وأنهار كبيرة كنهر أورينوكو وسهول وكثبان وغيرها. ومن أهدافنا الحالية التعريف بقدراتنا السياحية الكبيرة والتعرف على قدرات المملكة السياحية.
* ما هي أبرز الخطط الاستراتيجية التي تنوي السفارة تنفيذها مع الجانب السعودي الفترة القادمة؟
- الاستمرار بتوحيد الجهود من أجل استقرار السوق النفطي العالمي وتعزيز التعاون الثنائي في شتى المجالات والعمل المشترك في المنتديات الدولية كحركة عدم الانحياز التي تترأسها فنزويلا حاليا وقمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية وهي المؤسسة المهمة لتحقيق التقارب بين دول أمريكا الجنوبية والدول العربية. كما يهمنا بالتأكيد الاستمرار بأعمال اللجنة المشتركة رفيعة المستوى كما ذكرنا سابقا.
في الجانب الديني، كم يبلغ عدد المسلمين في فنزويلا وما تنسيق السفارة في جانب زيارة الأماكن المقدسة لمسلمي فنزويلا؟
- تشير الأرقام غير الرسمية أن 300.000 مسلم يقطنون بفنزويلا والذين يتمتعون بموجب القانون بحقوقهم وبضمانات من طرف الدولة لممارسة دينهم ونشر المعرفة عنه. وترحب السفارة بزيارتهم للأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية.
* ما أبرز أوجه التطور التي تراها حاضرة في السعودية وكيف تقيم مستوى النهضة في البلاد؟
- بدون شك فإن التطور في البنية التحتية ظاهر في كل المملكة العربية السعودية وبالخصوص الاهتمام التي توليه الحكومة السعودية لعصرنة الدولة بالنسبة لتشغيل وإدارة تقديم الخدمات وتلبية احتياجات غاب عنها الاهتمام سابقا كالاستجمام والترفيه والرياضة والأنشطة الاجتماعية.
فيما يخص موضوع العمل، نعترف بمجهودات الحكومة السعودية بزيادة فرص العمل وتحسينها أمام المجتمع السعودي الشاب وبالخصوص مجهوداته لاحتواء المرأة كعامل منتج إيجابي ومساهم في التنمية الاقتصادية السعودية.
* في ظل انخفاض أسعار النفط، هل لديكم تنسيق مع الجانب السعودي للتعاون في مواجهة ذلك وفتج مجالات بديلة للتعاون الاقتصادي؟
- مواقفنا متشابهة لحد كبير في هذا الشأن ولذلك هناك سلاسة كبيرة في التواصل واستمرارية بغرض تحقيق أهدافنا والمساهمة في استقرار سوق النفط وتعزيز دور منظمة أوبك.
* ماذا تودون إضافته في هذا الحوار؟
أعبر عن امتناني الشديد لهذا الحوار ولإتاحة الفرصة لي للتعبير عن وجهة نظري. أغتنم هذه المناسبة لأدعو صحيفتكم العريقة للتعريف بحقيقة فنزويلا وأن تقوم بذلك بشكل موضوعي حيث أننا وللأسف ضحايا حملة ممنهجة ظالمة في العديد من وسائل الإعلام الدولية لتشويه سمعة بلدنا وحكومتنا وذلك لأننا نتقدم في تحقيق سياسيات تنموية تعارض في غالب الأحيان مصالح القوى الدولية الكبرى.