علي الصراف
دخل أخوان في جدل بشأن ما يمكنهما فعله حيال جار يُصدر أصواتاً مثيرة للإزعاج. وهو يزيد كلما طلبت منه أن يتقي الله في جيرانه.
قال الأول: إذا رفعنا صوت أجهزة التلفزيون، والراديو، بل وحتى إذا جلبنا مكبرات صوت لإزعاجه، فإنه سوف يكسب.
قال الثاني: يمكن أن أذهب لأكسر أجهزته على رأسه.
قال الأول: سوف يشتري غيرها. اتركه يجعر وينعر.
قال الثاني: ولكنه يحرمنا من الراحة.
قال الأول: هو نفسه غير مرتاح. إنه يفعل ذلك لكي يغطي على قلقه واضطرابه.
قال الثاني: إنه يتصرف كبوق يطلق أصواتاً منكرة.
قال الأول: خير لك أن تتجاهله. فكلما أشعرته بالاهتمام وجد مبرراً للاستمرار.
قال الثاني: وماذا لو استمر رغم صمتنا عليه.
قال الأول: دعه يستمر. إنه يهين نفسه ويذلها بما يفعل.
قال الثاني: هو يعتقد أن ما يفعله مهم ومؤثِّر.
قال الأول: «وتعظم في عين الصغير صغارها.. وتصغر في عين العظيم العظائم». ألم تسمع بهذا؟
قال الثاني: ألا يمكن أن نشتكيه لأنه تحول إلى نوع من تلوث بيئي؟
قال الأول: لا تقلق، الكل يرى التلوث ويأنف منه.
قال الثاني: ولكنه يجد متعة فيما يفعل.
قال الأول: إنها متعة نافلة وزائلة. ولقد زال من قبلها الكثير. فلا تهتم لبضاعة ساقطة.
قال الثاني: كيف لا أهتم وهو يسيء إلينا بالزيف والتزوير والباطل.
قال الأول: لا أحد يمكنه أن يسيء إليك. نحن على صراط مستقيم وهو على طريق أعوج. وكل ما يأتي من الأعوج، أعوج، ودلائله إنما تدل عليه.
قال الثاني: ولكن ماذا بشأن تأثيره على بعض الناس.
قال الأول: من شاء أن يضل فلا هادي له. هذا اختبار للصادقين. وهو مفيد لكي يكشف ذوو النفوس الضعيفة عن ضعفهم.
قال الثاني: إنه يتظاهر بالقوة بالضجيج العالي.
قال الأول: الضجيج، والصوت المرتفع، حجة الضعيف. وهي لا تصمد أمام قوة الواقع.
قال الثاني: إنه يزعم إننا نتآمر عليه.
قال الأول: قل له، عندما تختلف مع جار واحد، فذلك اختلاف، ربما، في وجهات النظر. وعندما تختلف مع جارين اثنين، فربما كان لصداقة بينهما. وعندما تختلف مع ثلاثة، فربما لأنك تضرهم بالفعل. ولكن عندما تختلف مع أربعة ويقف معهم ثلاثة أرباع الحي، فأنت من يتآمر على نفسه.
قال الثاني: إنه يتصيّد في الماء العكر.
قال الأول: وما نوع السمكة التي تجدها في الماء العكر؟ دعه يتصيّد. مبروك له تفاهة ما يصيد.
قال الثاني: كنا نريده جاراً طيباً، فتحول إلى جار يجمع غرباناً لتنعق.
قال الأول: إنه ينعق لنفسه على نفسه. إن هذا إلا بلاء من أصابته لوثة في عقله فأفقدته الصواب.
قال الثاني: وماذا يستفيد من هذا كله؟
قال الأول: وهل يستفيد المريض من مرضه؟ إنها علة معلول بنفسه.
قال الثاني: وماذا نفعل الآن؟
قال الأول: لدي شغل ولديك شغل. دعنا نعمل. خير لي ولك ألا ننشغل بما لا يستحق. دعه ينعق. وكلما زاد نعيقه، زاد خجل الناس منه ومن عار علته.