د.عبدالله مناع
بعد ثلاثين شهراً من الفراغ الرئاسي المميت، الذي عاشه (لبنان).. يُذكر لـ(الرئيس سعد الحريري).. رئيس كتلة المستقبل النيابية -الرابع عشر من آذار-.. أنه استطاع أن يكسر متوالية عقد الجلسات البرلمانية المتلاحقة وفضها لـ(انتخاب) رئيس خلف للرئيس: ميشيل سليمان.. دون فائدة.. بذلك القرار (الزلزان) الذي أحدثه.. عندما أعلن عن انضمام كتلته النيابية السنية الرئيسية إلى حزب (التيار الوطني الحر)، وكتلته المعروفه بـ(كتلة الثامن من آذار).. بل وتأييده لـ(ترشيح) العماد مشيل عون لـ(رئاسة الجمهورية)، وهو ما فتح الباب فوراً ودون أدنى إبطاء لترتيب البيت اللبناني سياسياً.. من الداخل، فقد أعقب انتخاب العماد مشيل عون.. تكليف الرئيس سعد الحريري بـ(تشكيل) الحكومة.. وهو ما حعل اللبنانيين يستمرون في العيش بعيداً عن لهب الحرب السورية المجاورة، وهم ينعمون طوال شهور عامي الاستقرار - 2016م و2017م -.. بما عوضهم عن الثلاثين شهراً المسفوحة من أعمارهم وأرزاقهم لـ(الشيطان الرجيم).. كما يقولون.
وقد استمر (لبنان).. بهذا القدر من (التوازن) السياسي الدقيق الذي قاده الرجلان: (عون) برئاسته للجمهورية.. و(الحريري) بـ(رئاسته للوزارة).. إلى أن فاجأ الرئيس سعد الحريري الجميع بـ(إقرار) استقالته من رئاسة الحكومة يوم السبت الماضى، وهو قرار ذو طبيعة بركانية.. لا يقوى عليه ولا يحتملة (لبنان.. الحاضر)..!! أو كما أحسن وصفه النائب اللبناني (وليد كمال حنبلاط) عندما قال: (بصراحة.. فإن لبنان أكثر من صغير وضعيف.. كي يتحمل الأعياء الاقتصادية والسياسية لهذه الاستقالة)!.
* * *
فإلى جانب محدودية أعداد الكفاءات السنية المؤهلة لـ(رئاسة) الحكومة اللبنانية.. بعد أن ذهبت أجيال الصلح والكرامي واليافي المؤهلة.. فإن بعض السنة (يخرب) بأكثر مما يقرب!.. ولا تتحمل (المرحلة) بأي حال من الأحوال إلى أي قدر من (التخريب).. بقدر حاجتها إلى عبقرية (التقريب)! على أن العثور وفي كل الأحوال على (نجيب ميقاتي) آخر.. لن يكون سهلاً وميسوراً.. تماماً كـ(البحث) عن (تمام صائب سلام) آخر، أما البحث عن (سعد حريري) آخر.. بـ(مكونه) السياسي، و(معتقده) الخليجي، و(مدده) الاقتصادي.. لتكليفه بـ(تشكيل) حكومة بديلة.. فإنه أقرب إلى المستحيل.. إن لم يكن هو (المستحيل) بعينه.
لقد كان قرار استقالة (الحريري) العاصف والسريع والمفاجئ.. وكأنه قرار خوف، لا يحتمل التأجيل.. في ظل ما تداولته وكالات الأنباء عن ترتيبات إيرانية أو غير إيرانية.. يجري إعدادها لـ(اغتيال) الرئيس سعد الحريري، الذي استطاع أن يُبقي (لبنان) خارج (جهنم السورية) التي تحيط به.. من كل مكان، وهو ما جعله يولي بـ(قراره) فراراً مخافة أن يحدث له ما حدث لأبيه الرئيس رفيق الحريري الذي اغتيل منذ أكثر من عشر سنوات.. دون أن يعرف العالم إلى يومنا هذا حقيقة أسباب اغتياله.
* * *
وإذا كان عجيباً هذا الصمت الفاضح والمريب الذي التزمه حزب (نصرالله).. أمام زلزال استقالة الحريري.. وهو المتهم الأول في دفع الرئيس الحريري لتقديمها، فإن (الكرة): كما يقولون تبقى في ملعب الرئيس عون.. الذي عليه أن يتفاهم مع حليفه -قبل الوصول إلى (بعبدا)- ليلتزم بـ(أصول الشراكة).. ومتقضياتها، فالذي جاء بـ(عون) رئيساً للبنان.. هو (الحريري) وليس (نصرالله)، إذ لو لا انضمام كتلة المستقبل لحزب (التيار الوطني الحر).. لما كان (عون) في بعبدا.. ولما جرت الانتخابات اللبنانية أصلاً، فالمنطقة لم تحتمل المزيد من التدخلات الإيرانية والعلنية أو المسكوت عنها، لتسمح بـ(تدخل) جديد وفي (لبنان) الذي لا تحتمل تركيبته السياسية الطائفية المذهبية أي اهتزار.
أما سيناريوهات الدستور اللبناني (الاثنتان).. اللتان جارٍ الحديث عنهما، واللتان قيل أنه ليس أمام الرئيس عون إلا أن يأخذ بـ(واحدة) منها: وأولها.. العودة للاستشارات النيابية لتشكيل (حكومة تكنوقراط) برئاسة شخصية لبنانية تحظى بمباركة المكون السني.. مهمتها الوحيدة: وقف الانهيار وحالة التشظي المحتملة والإشراف على إجراء الانتخابات النيابية، أو(ثانيها): الاستمرار بـ(حكومة: تصريف الأعمال)، وتقريب موعد الانتخابات النيابية.. لإعادة تشكيل المسلطة بـ(المجلس) النيابي الجديد ورئاسته.. وتكليف حزب الأغلبية بـ(تشكيل الحكومة) الجديدة.. بينما الحقيقة لا يوجد أمام الرئيس عون غير خيار واحد: هو رفض الاستقالة، وإعادة تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة.. مع دعوة القوى السياسية اللبنانية الفاعلة لجلسات حوار وطني معمق ومكاشفات وطنية جادة.. يتحدد فيها ما لـ(الله) وما لـ(القيصر)، ويحول دون انهيار (لبنان) الصغير والضعيف -كما قال «جنبلاط»-، فـ(لبنان) بملايينه الأربعة أو الخمسة، ليس هو ذلك الذي يسكن عمارات وأبراج كورنيش المزرعة.. وليس هو الذي يقضي صباحاته بين مقاهي (الحمرا).. ويتناول غداءه بفندق (فينيسيا).. فإذا انتصف ليله، وجد مقعده ينتظره مرحباً به في (كازينو لبنان)، ولكنه بـ(عماله) و(صناعه) وسائقيه وتجاره.. وبائعيه وجرسوناته.. وبمطاعمه ومقاهيه وملاهيه.. فهذا هو (لبنان).. وهؤلاء هم اللبنانيون الذين يعيشون على موسمي: الشتاء والصيف.. فإذا تعطل أو إنهار أحدهما لسبب أو الآخر تضرر كل أولئك الذين ذكرتهم بدرحات متفاوتة.
ولذلك فإن الخوف على (لبنان) الصغير والضعيف، وعلى تشظيه يظل قائماً. دائماً وأبداً..!.