د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
انطلقت قيادتنا الرشيدة من مبدأ الإصلاح والصلاح؛ وذلكم تشريع إسلامي قامت عليه حين تأسيسها، وكان ذلك المنهج بتوفيق الله من مقومات انتصار الإرادة السياسية في بلادنا؛ وتواترت في عهدنا الجديد النماذج الفريدة لقيادة التنمية واستصدار مراسيمها تأسيسًا على استزراع الإصلاح والأمانة في كل موقع تنموي، فعندما أصدر خادم الحرمين الشريفين مساء السبت الماضي أمرًا ملكيًا تضمن إستراتيجية جديدة لمقارعة الفساد ودك حصونه مطبقًا -حفظه الله- مبدأ «من أين لك هذا»!؟ تلك الليلة الملكية السعودية القمراء التي تسر الناظرين حيث كان أمره الكريم -حفظه الله- ترقية لمبدأ النزاهة إلى مرتبة السلطة العليا، واستيلاد مقوماتها، وإقامة أوتادها فكانت صياغة البيان الملكي بتشكيل لجنة عليا برئاسة سمو ولي العهد ورؤساء الجهات الرقابية الحقوقية العليا في الدولة، وهي لجنة ذات عماد لها من المهام ما له مساس بالفساد ومرتكبيه في كافة صوره ومواقعه فيما يتعلق باختلاس المال العام والاستخدام غير الأمثل للموارد والميزانيات وبلادنا بفضل الله ذات كنوز وركاز!! ومن أشكال الفساد الجنوح في استخدام النفوذ والسلطة، واستغلال ثقة ولي الأمر للقفز على القانون؛ وتعطيل المصالح الوطنية العامة وتغييب الأمانة، والتهاون في المسؤوليات ودفن الضمائر خلف الأروقة الخلفية التي يُمارس فيها الفساد؛ ولو سردنا صور الفساد فهي تراكمية ممتدة تحتاج إلى أضابير، وموجزها أن الفَسَاد المالي سلب إكسير الحياة التنموي؛ والفساد الإداري في الجانب الآخر تبرعم وخلّف وراءه آلاف العاطلين، وغيب استفادة الوطن من العقول الناضجة! ولعمري لقد فلقها ملكنا سلمان وولي عهده حتى أصبح القرار الملكي طودًا عظيمًا سوف تتكئ بلادنا على نواتجه بإذن الله في صناعة الاختلاف المحمود والعالمية المستحقة والحضارة الفوارة، والرخاء للشعب والاستقرار والسلام، والسير نحو بيئات سعودية آمنة، فلقد كان ذلك الوقوف الملكي المهيب وميضًا أخضر للسلطة الداعمة في إشراقات السياسة في عهدنا الجديد؛ وكان سمو ولي العهد محمد بن سلمان قد تحدّث عندما أعلن نهج بلادنا ورؤيتها 2030 فقال: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فَسَاد سواء كان أميرًا أو وزيرًا...» وسموه يؤسس بذلك لمرحلة جديدة قوية في محاربة الفساد؛ ولقد تم تدشين المرحلة بتوفيق من الله، وبدأ أوارها الشجاع يلتف حول كل مواقع الفساد ومنصاته البالية التي حسبناها منيعةحين نخرتْ فينا عهودًا!! وبدأت الآن في عهد الحزم والعزم عمليات الغربلة والتطهير لكل أجهزة الدولة بتوجيه من قمة الدولة وحاكمها، وحتمًا فإن إصلاح الجهاز الداخلي في الدولة كياسة وقوة وقدرة، ولو رجعنا للواقع فقد مرق الفساد وتغلغل إلى جل مفاصل الأعمال واحترب القوم حول حقوقهم من مكاسبه المشبوهة، وأصبحت النفوس المريضة تجد من بنيات الطريق ومن موالج الشر ما يجعلها توغل إلى أهدافها الدنيئة، وعندما يستوطن الفساد بيئات الأعمال فإنه بقدرة فاسد يُشرْعن في حال داخل منسوبي تلك البيئة الشك والريبة فتكون النتيجة الواضحة أن جل الفساد وصوره المنتشرة كفلق الصبح في جل المؤسسات تتكئ على أنظمة طوّعها المفسدون ليغرفوا دون وجل؛ حيث يلتف الظلام في حواضن الفَسَاد؛ وإذا ما أراد المفسدون ترقية الفساد فيكفيهم أن يجعلوا مهام العمل في المؤسسة تعرّج نحو مسارات ليست من اختصاصها أو ميدانها؛ وهذا ما يؤكد أهمية التعاضد الإصلاحي بين الهياكل التنظيمية وما يعانقها من المهام وبين ما يؤدى فعلاً داخل المؤسسة، وفي عهود الفساد مُنيتْ البلاد بتفشي وباء التستر. أو ما يُطلقُ عليه الاقتصاد تحت الأرض، ولكن العين البصيرة تسمع وترى؛ فتراجُع مؤشرات التنمية التي تعلنها الجهات المختصة ويرصدها المقايسون في الداخل والخارج، وانحسار كفاءة الأعمال وانتشار الوهن والضعف المعرفي وتقاصر الحافز الوطني في المخرجات من الموارد البشرية، إضافة إلى إجهاض القوانين والأنظمة التي تؤسس لتلك الأعمال، ومن هنا فلا عجب من انتشار تلك الثقافات العفنة التي تحيط بمفهوم الفساد في المؤسسات إلا من رحم ربي!!، وإذا ما دلفنا إلى الأمن الوطني فإن التطرّف استثمار خبيث لمنصات الفَسَاد المالي والإداري وإن كان من وراء جُدُر حيث يسهل اجترار العامّة في البيئات الفاسدة فتعم الفوضى المميتة والمسالك المتطرفة!
وختامًا فنحن ولله الحمد نتفيأ الآن ظلال عهود منضبطة إداريًا؛ ومشاعل مضيئة من الاقتصاد المتكامل، كما نرى في آفاقنا تعزيزًا وتحفيزًا للإدارات التنفيذية الفاعلة، والحديث في سياق الفساد والزحف نحوه من ولي أمرنا - حفظه الله- وولي عهده حديث شجي ومثير وغزير؛ فالفساد موجود عالميًا ولكن يجب ألا ننسى أننا في بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومنبع الإسلام الذي أرسى المبدأ العظيم «من أين لك هذا».