ياسر صالح البهيجان
دخلت البشرية في مرحلة تُسمّى «الثورة الصناعية الرابعة»، وهي امتداد للثورة الثالثة المتأسسة على تكنولوجيا المعلومات والحوسبة الرقميّة، إلا أنها تتميز عنها بعنصريْ السرعة المتناهية وسعة نطاق التأثير على حياة المجتمعات. الثورة الرابعة تطال كل الصناعات والمجالات في كل دولة، وبها تتحول الإنتاجات التكنولوجية من مجرد وسيل بين إنسان وآخر، إلى جزء رئيس من مكونات الفرد الحديث، أي أنها تتعمق أكثر من أي وقت مضى في تركيبة المجتمع المتطور، وتمنحه القدرة على التعايش مع محيطه الإقليمي والدولي، وتعطيه حق المنافسة العالمية في المجالات السياسية والاقتصادية والمعرفية.
وفي منتدى دافوس العالمي وخلال دورته الـ46 أُطلق مصطلح «الثورة الصناعية الرابعة»، واعتبرها المشاركون ثورة تشابه الطوفان الذي سيغير معالم الحياة البشرية برمتها، واشترطوا لتحقيقها، وجود كفاءات علميّة وتقنية قادرة على تأسيس بنية تكنولوجية ورقمية متطورة، تنطلق من مبدأ الابتكار غير المسبوق والقدرة على توظيف التكنولوجيا لتحسين جودة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يزيد من مستوى رفاهية الإنسان في مجتمعه.
وثمة تحديات كبرى تنتظر المجتمعات في حال ركوبها موجة الثورة الصناعية الجديدة، تتمثل في ضرورة إعادة هيكلة الاقتصادات الوطنية والتي بدورها ستفرض تحولات كبرى في البنى الاجتماعية والسياسية، حيث تتأسس الثورة على مفهوم التنمية المستدامة، وسينتج عنها أيضًا تغيرات في القيم الثقافية والمجتمعيّة وانحسار لهيمنة العادات والتقاليد، وتتطلب المزيد من الانفتاح والتشارك مع المجتمعات الأخرى، دون الالتفات لأي اختلافات في الهوية والانتماءات والحدود الجغرافية.
وأكثر ما يميّز الثورة الصناعية الرابعة أنها ستحسن من جودة الخدمات والمرافق العامة والطرق في المدن الكبرى عبر ربطها بالإنترنت، ما سيسهل عملية فرض رقابة أمنية أكبر، وستيسر إمكانات التنقل وحركة المرور والنظافة والإنارة، مع توفير غير مسبوق لمعدلات استهلاك الطاقة التي تُكبّد المجتمعات فواتير باهظة الثمن.
المملكة لديها إمكانيّة الاستفادة المثلى من الثورة الصناعية الرابعة، عن طريق دعم الاختراعات التكنولوجية الجديدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وإنترنت الأشياء والمركبات ذاتية الحركة والطباعة ثلاثية الأبعاد وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية. لدينا الكفاءات البشرية والقدرات العقلية التي تنتظر المساندة الحكوميّة والاحتضان الإيجابي المتمثل في توفير أدوات النجاح وتيسير عمليات الابتكار بمساندة من المؤسسات التعليمية والجهات المعنية بالتطوير والاختراع.
المملكة لديها رؤية طموحة تسعى إلى مسابقة الزمن والارتقاء إلى مستويات عليا في المنافسة العالمية على الأصعدة كافّة. والبدء بالاتجاه نحو تأسيس بيئة محفزة للإنتاج النوعي والابتكار، سيسهم في تحقيق رؤيتنا ورسم معالم نهضتنا الجديدة.