قاسم حول
اختتم مهرجان أنطاليا في تركية دورته الرابعة والخمسين بعد خمسة أيام من المشاهدة الواسعة لمحبي وعشاق الفن السابع، وقد شارك في المسابقة ثمانية وثلاثون فيلما من أنحاء العالم، شاركت من خلالها، إضافة إلى السينما التركية، أمريكا وألمانيا وجورجيا والمكسيك واليابان والأردن وفلسطين. هذا ما صرحت به السيدة «زينب أتاكان» مديرة ما اطلق عليه «منتدى أنطاليا السينمائي» وتمنح البرتقالة الذهبية والبرتقالة الفضية للأفلام الفائزة. تختار البلدن عادة أشهر ما تتميز لتطلقه شعاراً على مهرجانها. وعلى سبيل المثال فإن مهرجان روتردام للفيلم العربي وبإعتباره شاملا لكل البلدان العربية، فإنه أطلق «الجمل» شعارا لأيامه السينمائية، فتقدم الجائزة وعليها الجمل الذهبي والجمل الفضي. وهكذا اختارت أنطاليا البرتقالة شعارا لمهرجانها لما تتميز به من لذيذ البرتقال الريان.
من مميزات مهرجان «أنطاليا» أنه يستضيف الممولين والمنتجين ويجمعهم مع المخرجين حملة السيناريوهات الواعدة فيعود المخرجون والمنتجون باتفاقات لأعمال سينمائية تغذي المهرجان القادم وتنشر ثقافة السينما من خلال أنطاليا. وعلى هامش المهرجان فإن بعض الجامعات التركية تقيم دورات سينمائية للشباب من عشاق السينما، لعل في مقدمتها جامعة «بهتشه شهير» في مدينة إسطنبول، وهي الأكثر نشاطا وجدية ومستوى بين الجامعات التركية.
في تركيا تنتعش صناعة السينما بدعم من وزارة الثقافة والسياحة، وقد تمكنت الوزارة من استعادة المخرجين الذين هجروا تركيا بسبب الجفاف الثقافي في بعض الحقب السياسية، أما الآن فإن تركيا مصنع حقيقي للأفلام ومكان لإستقطاب المخرجين، فلقد عاد إليها أبناؤها من السينمائيين الموهوبين لأنهم لا يستطيعون أن يجدوا كنزا سينمائيا غير مكتشف مثل كنوز تركيا .. فهي كنوز الواقع البكر الذي يؤهلهم للرحيل في عوالمه. واقع زاخر بالمعطيات وغير مكتشف سينمائيا.
«أيليم كافتان» المذيع التلفزيوني الذي غادر بلاده قبل ثمان سنوات وعاش في تركيا هو صانع الأفلام الوثائقية المعروف عاد إلى تركيا بعد أن بدأت بوادر الازدهار السينمائية، قال بعد حضوره مهرجان أنطاليا «عشت في كندا ثمان سنوات ولكني أردت أن أعود إلى بلدي بسبب نوع القصص التي لدينا هنا» لقد شعر هذا السينمائي الوثائقي بأن حياته في كندا أبعدته عن وطنه فعاد لينهل من كنوز الواقع، وعرض فيلمه الأخير «خلية النحل» في أيام أنطاليا السينمائية.
برز من بين الأفلام فيلم «الضيف الذي أسمته المخرجة «مسافر حلب إسطنبول» بتمويل من وزارة الثقافة والسياحة التركية باعتبار القضية السورية هي القضية الساخنة تركيا وعالميا وتفرز أحداث سوريا حكايات وقصصا تذكرنا بحكايات وقصص الحرب العالمية الثانية والتي بقيت روسيا تنتج عنها الأفلام لعقود من السنين. أعتبر الفيلم إنتاجا تركيا أردنيا من خلال بعض الممثلين والممثلات ومنهم الممثلة «صبا مبارك» التي لعبت الدور الرئيسي في الفيلم. الفيلم كتبته وأخرجته المخرجة التركية الشابة «أنداتش هازيندار أوغلو» وقد فاز الفيلم بجائزة الجمهور.
فيلم الافتتاح لهذه الدورة السينمائية «لا تتركني أبدا» كان من إخراج المخرجة البوسنية «عايدة بيجيتش». العلاقة السياسية بين البوسنه وتركيا هي علاقة وطيدة انعكست على العلاقة الثقافية والسينمائية فأتاحت الفرصة لهذه المخرجة الشابة أن تخرج فيلمها «لا تتركني أبدا» وتم اختياره لأمسية الافتتاح ما يضفي ذلك أهمية على الفيلم وعلى المخرجة البوسنية.
وضح من خلال أفلام مهرجان أنطاليا أن العنصر السينمائي الشاب أخذ مكانته الواعدة في عالم الفن السابع .. جوائز ودورات تدريبية من قبل الجامعات التركية والأهم فرص التمويل والإنتاج من قبل المنتجين وشركات الإنتاج.. والبركة في الحركة!
** **
- سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا