د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
لستُ هنا في سياق الحديث عن هذه الحالة الشعورية والعاطفة الإنسانية، فما قيل عنها أعظم من أن يُحاط به، غير أنَّ الإشارة هنا ستكون خاصة بأشهر مصطلحاته التي تعبر عن بعض أنواعه ومستوياته ودرجاته كما وضعها العرب قديما، حيث اهتمت الدراسات العربية بالكلمات ذات الطابع الوصفي التي تدل على درجةٍ من درجات الحب أو على حالةٍ من حالاته، واعتنوا بتقصِّي دلالاتها المعجمية، ومن أبرز العلماء المهتمين: محمد بن داود أول من تعرض لهذه المصطلحات ورسم ترتيباً لسلم التصاعد العاطفي، وابن الجوزي، وأحمد سليمان الكسائي، وابن القيم، وغيرهم.وقد كفانا الدكتور محمد عبدالله الغوص في بعض المعاجم العربية، والعثور على أشهر هذه المصطلحات التي ارتبطت بالحب، وأبانت عن بعض مستوياته، ومنها: الحب: وهو نقيض البغض، وحبة الشيء لبابه وخالصه، وحبة القلب سويداؤه، والأحباب: البرء من كل مرض، والحَباب ما يعلو الماء عند المطر الشديد، ولهذا يقول ابن القيم عن المحبة بأنها غليان القلب وثورانه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب.
الصبابة: من صبَّ الماء سكبه وأراقه، والصُّبَة بقية الماء واللبن وغيرهما في الإناء، وهي الجماعة من الناس أو الغنم، والصبابة الشوق، وقيل رقته وحرارته، والرجل صبٌّ والأنثى صبَّة، وصبصب الشيء: محقه وأذهبه، والتصبب: الخلاف والجرأة، وتصبصب القوم: تفرقوا. الهوى: هوى النفس العشق، وهو محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه، وهو مذموم عموماً ما لم يُقيَّد كقولهم: هوى حسن، واستهوته: استهامته وحيَّرته.
العَلاقة: من علِق، أي نشب فيه، وكل شيء وقع موقعه فقد علق معالقة، والعلاقة: الحب والهوى الملازم للقلب، والعلاقة ما يبلغ به من العيش، والعلْقة ما يمسك النفس من الطعام.
الجوى: والطريف أنه ليس لهذه الكلمة معنى سعيد، فالجوى داء الجوف، وشدة الوجد من عشق أو حزن، وجوى الأرض واجتواها: لم توافقه، واجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة، الجوى: الهوى الباطن، والسل، وتطاول المرض.
الخلة: كل نبت حلو مما له أصل في الأرض يبقى عصمة للنعم إذا أجدبت السنة، والخلة: الصداقة المختصة ليس فيها خلل، تكون في عفاف الحب ودعابته، وتخللتْ القلب فصارت خلاله أي في باطنه، والخليل: المحب الذي ليس في محبته خلل، وعلى العكس من ذلك نجد من معانيها: الخلل والوهن، والخَلَّة الفقر والحاجة والخصلة سيئة أو حسنة، وخلَّ جسمه هزل، والخَلُّ الثوب البالي.
الكَلَف: وهي كالجوى ليس لها معنى سعيد، فالكَلَف شيء يعلو الوجه كالسمسم، وتكلَّف: تغير، والكُلْفة حمرةٌ كَدِرة تعلو الوجه، والكُلْف الولوع بالشيء مع شغل قلبٍ ومشقة، وتكلَّفتُ الشيء: تجشَّمته على مشقة، وكَلَف بها: أحبها.
العشق: فرط الحب، وقيل عُجب المحب بالمحبوب، يكون في عفاف الحب ودعارته، ومن معانيه غير السعيدة أنَّ العشقة شجرةٌ تخضرُّ ثم تدق وتصفر، وسمي العاشق عاشقا لأنه يذبل من شدة الهوى، كما تذبل العشقة إذا قطعت، وقد ذكر ابن القيم أنَّ العشق أمرُّ أسماء الحب وأخبثها، وكانت العرب تستر اسمه وتكني عنه، فلا تكاد تجده في شعرهم القديم.
الشَّعَف: شعف كل شيء: أعلاه، وشعفة الجبل رأسه، والشعف شدة الحب، وشعف بفلان: ارتفع حبه إلى أعلى المواضع من قلبه، وهو إحراق الحب للقلب مع لذة يجدها، والمشعوف: الذاهب القلب، وأهل هجر يقولون للمجنون: مشعوف، وشعفه المرض: إذا أذابه.
الشَّغَف: وهذه تتبادل المواقع مع سابقتها، وقد قُرئ بهما في قوله تعالى: (قد شغفها حبا)، والشغاف: غلاف القلب، أو حبة القلب وسويداؤه، وروى الأصمعي أنَّ الشغاف داءٌ في القلب إذا اتصل بالطحال قتل صاحبه، وشغِف: قلِق.
التَّيم: أن يستعبده الهوى، وهو ذهاب العقل وفساده من الهوى، والمتيَّم: المضلل، والتيماء: الأرض التي لا نبات فيها، وتام: إذا عشق، أو: إذا تخلى من الناس، والتيمة: الشاة تُذبح في المجاعة، والأتيام: أن تُذبح الإبل والغنم بغير علة.
التَّبْل: رجلٌ متبول: أسقمه الهوى، وقلب متبول: إذا غلبه الحب وهيَّمه، وتبله الحب وأتبله: أسقمه وأفسده، وتبله تبلا: ذهب بعقله، وتبلهم الدهر وأتبلهم: أفناهم.
الدله: وهو ذهاب الفؤاد من هم ونحوه، كما يدله الإنسان من عشق أو غيره، والمرأة تدله على ولدها: إذا فقدته، ودله الرجل: تحيَّر، والمدله الذي لا يحفظ ما يفعل، والتدله: ذهاب العقل من الهوى، وذهب دمه دلها: أي هدرا، ورجل داله ودالهة: ضعيف النفس.
الهيام: كالجنون من العشق، ودلالاته تدور حول السقم والحيرة، هامت الناقة: ذهبت على وجهها، والهيام جنون يأخذ البعير حتى يهلك، والهائم المتحير، والهيام أشد العطش.هذه هي أشهر المصطلحات المعبرة عن عاطفة الحب، والمتأمل فيها يرى أنها غير مترادفة، لكن ترتيبها في سلم صاعد هو الأمر الذي لم يحسم بعد، وهو أمر في غاية الصعوبة والتعقيد لتداخل الدلالات، ول غياب الترتيب التاريخي للكلمات، كما أن من يعيد النظر في هذه الدلالات يكتشف أن الحب في مفهوم العرب نوعٌ من التغير غير المحمود، فهو غالباً سقمٌ ومرضٌ وحيرةٌ وضلالٌ، وربما يؤدي إلى الجنون أو الموت، وفي ذلك ما فيه من سيادة طابع الحزن والمرض والخروج عن السوية الإنسانية، مما يعبر عن حالة الارتياب والتوجس وتوقع الشر التي يضمرها القوم تجاه هذه العاطفة.