.... .سقط كتاب من رف مكتبتي ، فانعدلت صرخة ( دوستوفيسكي ) من مذكرات قبو ممزوجة بألم السقوط قائلا :
_( لقد بلغنا حد التعب من كوننا كائنات إنسانية ) .
قلت بضحكة حاولت أن أكتمها و أنا ألتفت إليه وأعيده لمكانه :
_ أنت شخص كئيب جداً ، بالرغم من حبي لماّ تكتب ، جعلتَ أحلامنا تُصنع من زجاج مشغول ، أطلعتنا بذعر إلى تناوشات نفوسنا التي نحاول دائما أن ندسها ولو في عشب مبتل !
أنتَ من أتعب إنسانيته و ألحق بِنَا التعب !
ترددت ضحكة ( ليو تولستوي ) من الرف الثالث رطبة و معترضة و ندية ، قائلا بانفعال :
_ ( إن أردت أن تكون سعيداً فكن ) .
التفت إليه وأنا أحمل إبتسامة خافتة قائلة ببطء :
_ أو تظن أن هذا صحيحًا أيها الصديق !
كيف نجمع جزئيات السعادة ، و أنت بكونك المتداخل في التفاصيل الناثر أثرها ، كيف نلمها من حدائق الأشواك و نلتقطها من الزجاج المكسور بحدة ؟
لا بد من جرح ، أو على الأقل حين تنثني لجمع قطعة السعادة ربما تنسف رأس زهرة هندباء برية !
صدرت أهة من الرف المطل على عنقود الإضاءة ، تخص ( جون فانتي ) قائلا لي في تأثر و عيناه على ليو تولستوي :
_ ( هو أيضا مصاب بالبرد في روحه ) .
تراجعت في بطء لأريكتي الخضراء و أنا أزيح خصلة شعر على عيني :
_ كلنا نُصاب بالبرد في أرواحنا و أكثر قصص الحزن تكمن في جلودنا ، ثمة يباب ، ومطر و تصحر ، و كعادة أغلب المساءات لا تخلو من عضة أو كدمة !
وبصوت حاد قادم من الرف الذي تسكنه صورة محمود درويش كمنظر ، بزغ فجاءة صوت ( جوزيه ساراماغو ) قائلا في تهدج :
_ ( المظاهر خداعة ، و أنه ليس من وجه الشخص و رشاقة جسمه يمكن الحكم على قوة قلبه ) .
أشرت له أن يهدأ قائلة في رأفة :
_ سيدي ، أظنك قد مت الآن ، لكن من منطلق قوة القلب ، هل من القوة التظاهر بها رغم أن الداخل يطحن ؟ هل من القوة أن يخفي الإنسان شعوراً حقيقيا وُلد معه ؟
نحن نَعِدُ أن نبقى ( دائما ) أقوياء و نصمد للأبد ، لكن أجنحتنا تتلوى كلمّا أطل الصباح مجروحاً !
تدخل ( دان بروان ) في صرامة حازمة هاتفاً من الرف المحشو بالورد :
_ ( يمكن للعلم أن يشفي ) .
قلتُ في سرعة :
_ كما و يمكن أيضا أن يقتل !
رد بإستدراك و ابتسامته تتسع :
_ ( هذا كله وقف على الشخص الذي يستخدم العلم ).
ابتسمت و أنا أضع روح جوزيه على الرف المخصص لها ، قائلة :
_ صحيح يا سيدي ، إذا ما كان ذلك الشخص مؤهل أيضا لإبصار آثار الله في تكوينه ، بحيث ينهال قلبه بغزارة على عالمه !
فجأة انطلق صوت المنبه معلنًا انتهاء وقتنا ، و أحببت أن أصغي لهم كثيراً في صدفة آخرى !
** **
رباب محمد - الطائف