بداية من استغاثتنا الأولى عندما أطلقنا صرختنا للحياة مطالبينها أن ترفق بِنَا عاهدتنا الدنيا أن النهايات لن تكون مثل البدايات وأن كل شيء متوقع يأتي ضده مالم يقف في وجه الحياة من يقنعها أن المستحيل ممكن ..!
هي ليست رحيمة بِنَا كما يجب ولكنها بعد كل خذلان تواسينا بقطعة فرح صغيرة كما تفعل المعلمة عندما تؤنب طفل لا ذنب له وتكتشف أنها مخطئة بحقه ولكن كبرياء الكبار يمنعها من الاعتذار لتلميذ! لتتحين فرصة باردة للعذر ولكن بعد أن أوجعت قلبه وكسرته بين أقرانه.
الحياة تصنع النهايات على يد القدر بعد إرادة الله سبحانه ولكنها تطلق العنان قبل ذلك لخيالنا ليعيش وهم السعادة قبل الشقاء وفرحة اللقاء قبل دموع الفراق وبهجة الحياة قبل سكرات الموت.
في إحدى السنوات وتحديداً عام 1425 كان المقرر الدراسي للصف الثالث ثانوي يحتوي على وحدة خاصة بالأدب من ناحية أشهر الكتاب العرب والانجليز وإصداراتهم وكانت رواية تشارلز دكينز (الآمال الكبيرة) نموذجاً وهي عبارة عن قطعة للقراءة تحتوي على أسئلة ومعانٍ للكلمات.
بعد مناقشة النص كان الواجب الذي (اخترعته) أن تعيد الطالبة صياغة النهاية كما تحب أو تتخيل وكانت المفاجأة !! ما بين أمل وألم وخيال وطموح وفرح وحزن كانت النهايات، لم ترض أي واحدة منهن بالنهاية لذلك قررن صنع نهاية ترضي خيالهن وأحاسيسهن.
هذا الواجب (المخترع) مع غيره من الواجبات الخيالية التي صنعتها لطالباتي وكنت على أمل أن يكون خطوة أولى في الخروج عن المألوف وخلق جو تعليمي مختلف كان وجعاً لي وسبب نقدا كبيرا جعلني أتخلص من الملف الذي يحتوي تعبي وتعب طالباتي وألقي به في الحاوية وأنا أبكي ليأتي اليوم ويطالب الجميع بأن يتحول التعليم إلى خيال وابتكار.
أعلم أنني كنت مخطئة ولكن عنفوان الشباب وطغيان العاطفة والانكسار حينها كان أكبر من أي حكمة أتمتع بها الآن.
على حين غرة تجد نفسك في مكان ينقصك فيه كل شيء تبحث عن ما يكملك لتجد أنك مع كل التفاتة تتلاشى وتفقد الكثير منك، تتساقط مطراً وحزناً على أرض لا تعرفها تخسر بعضك لتعيش على فتات أمس وينتهي الأمس ويموت اليوم ولا يأتي الغد.
هكذا كنت حينها ولكنني لم أع جيداً أن النهايات لا تكون كما نرسمها ولكنها تأتي متى أرادت..!
ما مضى رسالة في قنينة حملتها الأمواج ولَم تعد.!
** **
- بدرية الشمري