لم تكن الفجوة كبيرة بيننا وبين وعي الآخر عندما كنا نكتب ونقرأ للأصدقاء المقربين الذين كانوا يتشاركون معنا الوعي الجميل.
كنا نظن أن هذا العالم كله هم!
مؤخرًا صارت الفجوة واضحة؛ لأن الشريحة التي صارت تقرأ لنا كبيرة, كما أنها شريحة قادمة من بيئات مختلفة, وخلفيات متفاوتة.
فالسخرية من التأملات الفكرية والأدبية, وعدم وعيها أمر هين عند بعض الساخرين من جهلهم عن طريق سخريتهم من الآخر.
فعبارة: «والله ما فهمت بس الأكيد إنك نفسية» صار من السهل قراءتها في خط الزمن المتحرك أمام عينك في موقع يختلط فيه الحابل بالنابل كتويتر.
الكاتب المتأمل وهو يكتب تصدق عليه مقولة جوزيف كونراد:
«أيها القارئ: مهمتي هي أن أجعلك تسمع، أن أجعلك تشعر, والأهم من ذلك كله أن أجعلك ترى. هذا كل ما في الأمر».
هذه المهمة هي من أسمى مهمات الكاتب: أن يكتب؛ ليشعر الآخر بأنه تنفس من خلال تلك الحروف. أن يجد نفسه بين السطور. أن تهدأ روحه؛ لأنه ليس وحده في تلك المشاعر, وأن على هذا الكوكب من يشاطره التفاصيل.
مشكلة الكاتب والقارئ, أو حتى السامع، ليست حديثة العهد, لكنها الآن أشد تأزمًا؛ ذلك لأن صاحب الوعي المحدود يتساوى مع الجاهل إن لم يطور أداة وعيه وفهمه في زمن صارت فيه الفجوة كبيرة بين من يعي ومن يعي قليلاً, فكيف بها بينهم وبين من لا يعي أصلاً؟!
نصف الجهل أخطر من الجهل, كما أن نصف الوعي أخطر من عدمه.
ولا أدل على هذه الفجوة من فهم الكلام الواضح الذي لا يختلف عليه اثنان بطريقتَين مختلفتَين, وكيل التهم بناء على هذا الوعي غير المكتمل كما نرى ونشاهد في تويتر.
يكفي أن يغتاظ منك جاهل لأي سبب كان؛ ليرميك ببعض سواده الداخلي إن لم يكن كله, وأنت في هذه الحالة ليس أمامك إلا واحد من حلين:
أن تحظره لأن انشغالك لا يكافئ فراغه, ووقتها قد يشعر بأنه حرر فلسطين فتراه يتعاظم أمام العالم بأنه استطاع أن (يُحجّر لك).
وإما أن (تكتمه) فلا يظهر له أنك فعلت, فيما هو «مثل الجمل يرثع وهو في قياده».
ختامًا:
ديننا أمام هذا الهراء في خطر!
قيم تنهار, وأخلاق قرآنية يتجاهلها هؤلاء الذين يقضون يومهم على المواقع يلهثون خلف زرع ألغام الفتن, والشتائم التي لا تليق بمسلم.
ناسين - ولعلهم متناسين - قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
«ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء».
قليل لآخرتنا لننجو!
** **
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي