د. عبدالحق عزوزي
ما إنك تشارك في مؤتمر دولي أو تتواصل مع زملاء لك في الجامعات الغربية إلا ويسألك الخاص والعام عن كيف يتكون العقل الإرهابي وهل داعش قرب انتهاؤه في العراق وسوريا والمناطق المجاورة، وهل المجتمع الدولي سيعرف استراحة مطولة من ويلات هؤلاء؟
أسئلة كثيرة ومتعددة يطرحها هؤلاء وتقرؤها يوميا في جرائدهم ومجلاتهم وتسمع عنها في كل وسائل الإعلام. نعم إنهم الإرهابيون. والإرهابيون الداعشيون والقاعديون وغيرهم يعتبرون المجتمع المعاصر كله مجتمعا جاهليا، ينبغي الانقضاض عليه لهدمه وتخريبه وعدم مهادنته أو العيش فيه أو حتى مسايرته ومتابعته، فلا يوجد حسب مقولاتهم ومفاهيمهم إلا «حزب الله» - وحاشا أن يكونوا حزب الله- وهو الحزب الذي يضم قادة ومريدي هذا التيار، وهناك حسب زعمهم «حزب الشيطان» وهو الحزب الذي يجمع بين دفتيه من عداهم في العالم أجمع، وعلى الحزب الأول أن يعلن الجهاد المقدس والحرب الضروس على حزب الشيطان أي على العالم حتى يقضي عليه، وحتى تعود الحاكمية لله وحده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن الحكم لله أبدا والحاكمية لله دوما، ولكن كما يكتب أحدهم بصدق ليس بالفهم الذي يدعيه أمثالهم من الخوارج، ولا بالمنطق الذي يزعمونه، ولا بالأسلوب الذي يريدون فرضه لأن مثل هذا الأسلوب وذاك المنطق وذاك الفهم يسقط التكليف الإلهي ويلغي الإرادة الإنسانية، ويجعل من عقاب البغاة عبثا كما يجعل من حساب الآخرة لغوا، وفيم سيكون العقاب ولم يكون الحساب إذا كان الإنسان سليم الإرادة لا يفعل أو كان عديم الفعل لا يحكم؟ وهذا الشعار بهذا الفهم وبهذا المنطق وبهذا الأسلوب الذي يفهمه هؤلاء الإرهابيون ومن قبلهم الخوارج أقرب ما يكون إلى منطق مجرم كان يحاكم أمام إحدى المحاكم الجنائية متهما بقتل بريء، فلما سأله القاضي عن التهمة أجاب بأنه لم يقتله ولكن الله قتله، وإذا استوضحه أكثر أجاب: لو لم يشأ الله قتله ما استطعت أن أقتله، وما كنت أنا إلا أداة الله فيما أراد... هكذا يفكر الداعشيون وقبلهم القاعدة، لا يجادلون بالعقل وإنما بالجهل ويرفعون عصا الاغتيال والتهديد، لسان حالهم الجاهلي يقول: من ليس معنا فهو علينا، ومن لم يتبع منطقنا فلا منطق له، ومن لا يؤمن بأهدافنا فهو آثم باغ، ومن يقف في طريقنا فهو كافر مرتد.
ومما يزيد الطين بلة أن الإرهاب في وطننا العربي عبارة عن موجات لا تنتهي ودائما ما تظهر على شكل فقاقيع باسم الدين تأخذ أسماء مختلفة: «القاعدة»، «داعش» «بوكو حرام» «أحرار الشام» «أنصار الشريعة» وهي كلها خوارج أصحابها يخرجون على روح الإسلام، يتلاعبون بالألفاظ ويتماحكون بالعبارات ويستغلون الدين في تحقيق أطماع سياسية ويستعملون الشريعة السمحة للوصول إلى أهداف لا معقولة...
بدأ تاريخ الحرب الدولي على الإرهاب مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول 2001)، ثم لتبدأ الحرب من جديد بعد أن اهتز العالم بخبر ذبح داعش للصحافي الأمريكي جيمس فوكي وغيره، وبين المدتين سنشهد فصولا من الحرب والفر والكر ضد جماعات متفردة لا وطن لها ولا ملة، واستخدمت خلالها كل أنواع العتاد العسكري، والحجوزات على الحسابات البنكية والملاحقات البولسيية الدولية والتحفيزات المالية... العديد من أعضاء طالبان وتنظيم القاعدة حبسوا او قتلوا أو اصبحوا معوقين... ولكن فكرة القاعدة لم تمت وظلت فكرة الغلو والتطرف الديني المغناطيس الذي يجذب ويلهم أبناء العرب والمسلمين وهي التي ولدت أبا بكر البغدادي زعيما لداعش كما كان في وقته ابن لادن زعيما للقاعدة.
الحرب ضد الإرهاب هي حرب غير كلاسيكية لأنك لا تحارب بلدانا أو بلدا معينا أو فئات في منطقة محددة محكومة بالجغرافية البرية والجوية والبحرية وإنما هي حرب ضد أفكار خطيرة تضع للانتهازية عنوانا من الدين، وتقدم للذبح وهتك الأنفاس والأموال تبريرات من الآيات وتعطي للجشع أسماء من الشريعة، وتجعل سفك الدماء عملا من أعمال الجهاد المقدس.
التطرف المولد للإرهاب بكل أشكاله يتولد في العقول ولا علاج له إلا من خلال الاستثمار الأمثل والذكي والصارم في العقول ويجب أن تشهد مجتمعاتنا من الآن تمردا وثورة ضد كل الأفكار الظلامية والعقول اللاحضارية وخلق عقل ناهض لقواعد ناهضة تبني وتشيد، انطلاقا من ضرورة استعمال العقل والحكمة في الحال والمآل، هذا هو المطلوب.