د. عبدالرحمن الشلاش
بعد جملة الأوامر والقرارات الملكية يوم 4 نوفمبر 2017 والهادفة لمحاربة الفساد والمفسدين، لا صوت في الشارع السعودي يعلو على الأحاديث عن الفساد والمفسدين، وعن قوة القرارات التي طالت شخصيات كبيرة لم يتوقع أحد أن توجَّه لها تهم الفساد. أكثر ما استرعى انتباهي التباين الشديد في فهم الفساد وفي أسبابه ودوافعه، وفي نوعية التهم الموجهة للموقوفين وغير ذلك مما يرتبط في الفساد موضوع الساعة.
كما يعرف الفساد فإنه إساءة استعمال للسلطة العامة أو الوظيفة العامة في تحقيق كسب خاص، وفي معجم أكسفورد الإنجليزي يعرّف الفساد بأنه انحراف في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة، وتعرّفه منظمة الشفافية الدولية بأنه كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة ذاتية لنفسه أو جماعته.
الدين الإسلامي تفرّد في محاربة الفساد، لذلك كانت المملكة الدولة المسلمة منطلقة من الإسلام في محاربة الفساد . يرى الإسلام بأنّ الفساد نقيض الإصلاح وهو خروج عن الاعتدال. لعل من أهم أسباب الفساد ضعف الإيمان والوازع الديني، واتباع الهوى وانتشار الأخلاق الفاسدة مثل الكذب والنفاق والرياء والغلظة وسوء الظن وعدم الوفاء وخيانة الأمانة، وهي سلوكيات يحرّمها الدين، ويضاف لها شعور الناس أنّ القانون لا يطبق إلا على البسطاء، وضعف الرقابة وغياب الأنظمة التي تحارب الفساد . على أنّ من أبرز صور الفساد السرقة والاختلاس والرشوة والتربُّح من الوظيفة واستغلال الجاه والسلطان والإهمال والتقصير وعدم الانضباط والواسطة والمحسوبية والتبذير والغش والتدليس.
ما يؤكد أنّ الدين الإسلامي قد حارب الفساد بكل أشكاله وصوره، أن الله تعالى قد ذكر الفساد ومشتقاته في حوالي خمسين آية، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}، ووصف فرعون بقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}. حارب الإسلام الفساد منذ البداية، حيث جاء ثورة على الفساد المنتشر في الجاهلية، وعزماً أكيداً للقضاء على الأخلاق الذميمة والعصبيات الجاهلية . الإسلام في محاربته للفساد عالج الأسباب ولم يتوقف عند المظاهر بمعنى استئصال كل ذميم ليحل بدلاً منه كل حميد، ولم يتوقف عند هذا الحد بل عمل على وقاية الإنسان من الفساد بتنمية الوازع الديني، قال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}.
كشف القرآن الكريم تلك الوجوه الزائفة التي تدّعي الخيرية والصلاح، بينما هم سدنة الفساد وأربابه، ولعل أجمل ما نختم به هذا المقال قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}.