المدينة المنورة - واس:
يحظى المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، بفائق العناية وجليل الرعاية والاهتمام من القيادة الرشيدة في هذه البلاد منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه-، حيث يعد ثاني الحرمين الشريفين ومهوى الأفئدة، وله المكانة الغالية والعزيزة في نفوس المسلمين في شتى أنحاء المعمورة.
وقد تعاقب ملوك هذه البلاد على تقديم الغالي والنفيس والبذل بسخاء، لخدمة المسجد النبوي وتوسيع مساحته وتزويده بمختلف الخدمات اللازمة لخدمة المصلين والزوار.
ومن أبرز مراحل التوسعات والخدمات التي حظي بها المسجد الشريف من ملوك المملكة العربية السعودية. فبعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان من اهتماماته الأولية رعاية شؤون الحرمين الشريفين، وأجريت عدة إصلاحات للمسجد النبوي الشريف، ففي سنة 1365هـ لوحظ تصدع في بعض العقود الشمالية، وتفتت في بعض حجارة الأعمدة في تلك الجهة بشكل لافت للنظر، فصدر أمر الملك عبدالعزيز بعد دراسة المشروع بإجراء العمارة والتوسعة للمسجد، وصرف ما يحتاجه المشروع من نفقات دون قيدٍ أو شرط مع توسيع الطرق حوله، إذ أعلن الملك عبدالعزيز في خطاب رسمي سنة 1368هـ عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف والبدء بالمشروع وفي سنة 1370هـ بدأت أعمال الهدم للمباني المجاورة للمسجد النبوي الشريف.
وفي سنة 1375هـ انتهت العمارة والتوسعة في عهد جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - وكانت العمارة قوية وجميلة بالأسمنت المسلح ونتج عن هذه التوسعة أن أُضيف إلى مسطح المسجد 6033 متراً مربعاً، واحتفظ بالقسم القبلي من العمارة المجيدية كما هو، وهو ما كان صالحاً للبقاء، وبذلك أصبح مجمل العمارة السعودية 271ر12 متراً مربعاً، وأقيمت التوسعة كمبنى هيكلي من الخرسانة المسلحة وهي عبارة عن أعمدة تحمل عقوداً مدببة، كما قُسم السقف إلى مسطحات مربعة شُكلت على نمط الأسقف الخشبية، وزخرفت بأشكال نباتية، وعُملت الأعمدة المستديرة تيجان من البرنز وزخرف أيضاً، أما المآذن فقد بلغ ارتفاعها 72 متراً تتكون كل واحدة من أربع طوابق تناسقت في شكلها مع المنائر القديمة للمسجد، كما حُليّت جدران المسجد بنوافذ جميلة وجُعل للمسجد صحنان مفصولان برواق بدلاً من واحد، وتمت تغطية أرضية المسجد بالرخام وأصبح للمسجد النبوي الشريف عشرة أبواب.
وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - ونظراً لتزايد الأعداد الوافدة للمسجد النبوي وخاصة في موسم الحج نتيجة لسهولة المواصلات والتنقل والراحة التي يلقاها الحاج والزائر في هذه البلاد الطاهرة، حيث وفرت له الحكومة السعودية كل ما يحتاجه من أمن واستقرار وتوافر المتطلبات الأساسية له بما جعل أمر توسعة المسجد النبوي الشريف أمراً ضرورياً حتى يستوعب هذه الأعداد المتزايدة، فأصدر الملك فيصل -رحمه الله- أمره بتوسعة المسجد النبوي الشريف، وكانت هذه التوسعة من الجهة الغربية للمسجد النبوي الشريف فقط، حيث تمثلت التوسعة في إضافة 35.000 متر مربع إلى أرض المسجد النبوي الشريف ولم تتناول عمارة المسجد نفسها، بل جُهزت تلك المساحة لإقامة مصلى كبير ومظلل يتسع لعدد من المصلين يُماثل عددهم داخل المسجد، ثم أضيفت مساحة 5550 متراً مربعاً وظُللت كذلك، مما أتاح المجال لاستيعاب أعداد أكثر من المصلين وكان ذلك سنة 1395هـ. أما في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - حصل حريق في سوق القماشة سنة 1397هـ في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد النبوي الشريف وتمت إزالة المنطقة وتسوية أرضيتها وتعويض أصحاب الدور والعقار وتمت إضافتها لمساحة المسجد حيث بلغت المساحة 000ر43 متر مربع وهو ميدان فسيح مظلل أُضيف إلى أرض المسجد النبوي ولم تتناول عمارة المسجد وقد تم تخصيص جزء منها مواقف للسيارات.
وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - أمر بإجراء دراسات لتوسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف وكان دافعه إلى ذلك كله أن يكون للحرمين الشريفين قيمة متوازية كما لهما القيمة الروحية العظمى لدى المسلمين في كل مكان في أرجاء العالم الإسلامي، حيث تم في سنة 1405هـ وضع حجر الأساس لمشروع التوسعة للمسجد النبوي وتضمن مشروع التوسعة وعمارته إضافة مبنى جديد بجانب مبنى المسجد الحالي يُحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها 82.000 متر مربع يستوعب 167.000 مصل وبذلك تصبح المساحة الإجمالية للمسجد النبوي الشريف 98.500 متر مربع.
كما أن سطح التوسعة تم تغطيته بالرخام والمقدرة مساحته بـ67.000 متر مربع ليستوعب 90.000 مصل وبذلك يكون استيعاب المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة لأكثر من 257.000 مصل ضمن مساحة إجمالية تبلغ 165.500 متر مربع.
وتضمنت أعمال التوسعة إنشاء دور سفلي (بدروم) بمساحة الدور الأرضي للتوسعة وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى، ويشتمل المشروع كذلك على إحاطة المسجد النبوي الشريف بساحات تبلغ مساحاتها 23.000 متر مربع تُغطى أرضيتها بالرخام والجرانيت وفق أشكال هندسية بطُرز إسلامية متعددة جميلة خُصص منها 000ر135 متر مربع للصلاة يستوعب 250.000 مصل ويمكن أن يزيد عدد المصلين إلى 400.000 مصل في حالة استخدام كامل مساحة الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف مما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد عن 650.000 مصل لتصل إلى مليون مصلٍ في أوقات الذروة حيث تضم هذه الساحات مداخل للمواضئ وأماكن لاستراحة الزوار تتصل بمواقف السيارات التي توجد في دورين تحت الأرض هذه الساحات مخصصة للمشاة فقط وتضاء بوحدات إضاءة خاصة مثبتة على 120 عامود رخام. أما الحصوات المكشوفة التي تقع بين المسجد القديم والتوسعة السعودية الأولى فقد تم إقامة اثنتي عشرة مظلة ضخمة بنفس ارتفاع السقف تظلل كل منها مساحة 306 أمتار مربعة يتم فتحها وغلقها أوتوماتيكياً وذلك لحماية المصلين من وهج الشمس ومياه الأمطار والاستفادة من الجو الطبيعي حينما تسمح الظروف المناخية بذلك.
وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - تم تدشين أكبر توسعة للمسجد النبوي الشريف على مدى التاريخ إلى جانب مشروع مظلات المسجد النبوي التي أمر بها وهي من المشاريع العملاقة، حيث جاء التوجيه بتصنيعها وتركيبها على أعمدة ساحات المسجد النبوي الشريف التي يصل عددها إلى 250 مظلة تُغطي هذه المظلات مساحة 143.000 متر مربع من الساحات المحيطة بالمسجد من جهاته الأربع يُصلي تحت الواحدة منها ما يزيد على 800 مصلٍ، يُضاف إلى ذلك تظليل ستة مسارات في الجهة الجنوبية يسير تحتها الزوار والمصلون، وهذه المظلات صُنعت خصيصاً لساحات المسجد النبوي على أحدث تقنية وبأعلى ما يمكن من الجودة والإتقان، وخضعت لتجارب في بلد التصنيع واستفيد من التجربة في المظلات التي قبلها التي تعمل بحمد الله بكفاءة جيدة منذ أن انتهت التوسعة ومع ذلك فإن المظلات الجديدة قد طُورت وأُخل عليها تحسينات في شكلها ومادتها ومساحتها وصممت بارتفاعين مختلفين بحيث تعلو الواحدة الأخرى على شكل مجموعات لتكون متداخلة فيما بينها، ويبلغ ارتفاع الواحدة منها 14 متراً و40 سنتميتراً والأخرى ارتفاع 15 متراً و30 سنتميتراً، ويتساوى ارتفاع جميع المظلات في حالة الإغلاق بارتفاع 21 متراً و70 سنتميتراً.
كما شهدت المدينة المنورة أواخر عام 1433هـ أكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف تمثل في وضع الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - حجر الأساس لتصل طاقته الاستيعابية بموجبها إلى مليوني مصلٍ مع نهاية أعمال المشروع بمشيئة الله تعالى، ويؤدي المصلون صلاتهم تحت هذه المظلات التي تقيهم حرارة الشمس أثناء الصلاة، كما تحجب عنهم الماء إذا نزل المطر فيسلمون من مخاطر الانزلاق والسقوط ويحصل لهم الأمان والاطمئنان في ذهابهم وإيابهم إلى المسجد النبوي. واليوم يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ هذه المسيرة العطرة في بناء الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن، إذ يؤكد ـ أيده الله ـ في كل محفل أهمية المسيرة والحرص على متابعة العمل في مشروعات التوسعة الكبرى بالحرمين الشريفين التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، لاسيما حجاج بيت الله الحرام، وزوار مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، اللذين تصدح ألسنتهم بالدعاء لملوك هذه البلاد الغالية، اللذين تعاقبوا على رعاية وعناية الحرمين الشريفين، وتوفير كل السُبل المعينة لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، بمنظومة عمل متكاملة وتنسيق مباشر بين مختلف الجهات ذات العلاقة، لتحقيق التوجيهات الكريمة على أرض الواقع، خدمة للمسلمين وعناية ورعاية للمقدسات الإسلامية.