جاسر عبدالعزيز الجاسر
لأن سعد الدين الحريري رفض أن يشارك في التغطية على الدور الإيراني عبر أذرعه السياسية والعسكرية في تحويل لبنان إلى منصة إيرانية لاستهداف دول الخليج العربي، قدم استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية، ولأن التوازن في لبنان شرط من شروط الاستقرار واستمرار الدولة، فإن استقالة الرئيس الحريري أحدثت زلزالاً لا تزال توابعه تتواصل وإن لم يحدث الانفجار الكبير المتوقع الذي لا يستطيع أحد أن يوقفه، بعد أن حدثت «الصدمة».
الحريري علق الجرس، وأوقف ما عمل عليه حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر، لفرض أمر واقع لا يمكن تغييره في لبنان.
حزب الله، الذي لا يخفي تبعيته لملالي إيران، وأنه الذراع الإرهابي والعسكري، والأداة السياسية التي تفرض الإرادة الإيرانية على مؤسسات الدولة اللبنانية مما يجعل القرارات السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية، مرهونة بالموافقة الإيرانية وهو ما يعني ربط ورهن الإرادة اللبنانية وقراراتها السيادية بدولة أخرى وقد استطاع حزب الله استغلال السعي الشخصي الذي أصبح الهاجس الوحيد الذي يحرك توجهات ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر والمتمثل في الحصول على منصب رئيس الجمهورية ولهذا فقد وظف حزب الله هذا الهاجس الشخصي والتكالب على المنصب الذي يعني تتويجه ممثلاً «منفردًا» للمسيحيين في لبنان، وقد وجد حزب الله، وطبعًا النظام الإيراني أن من مصلحته سياسيًا وطائفيًا أن يبرم تحالفًا بين حزب عون «التيار الوطني الحر» وبين حزب الله، يضمن لعون تحقيق حلمه في الوصول إلى قصر بعبدا، مقابل أن يؤيد حزب عون وأنصاره توجهات حزب الله المنفذ لأجندات إيران في لبنان، ومن أهمها إبقاء سلاح حزب الله وترسانته من الصواريخ التي تتجاوز «ترسانات صواريخ» عدة دول وتعزيز دور حزب الله في صنع وصياغة القرار السياسي والقرارات السيادية الأخرى، ومنحه أكثر من مجرد دور ثلث المعطل الذي كان الحزب يمارسه كونه وحسب ادعائه بأنه يمثل «ثلث» اللبنانيين حسب تصنيفه الطائفي متجاوزًا أحزابًا وشخصيات وحركات «شيعية» أخرى.
تحالف عون ونصر الله وبقوة السلاح الذي يمتلكه حزب الله وترسانته من الصواريخ والميليشيات التي تفوق في قوتها وعدتها وأعدادها الجيش اللبناني من فرض «أمر واقع» أوصل عون للرئاسة وحسب التحالف مع حزب الله عليه أن يرد الدين لحزب حسن نصر الله، وهنا كان لا بد من إقناع الضلع الثالث في محاولة «التوازن اللبناني» وهنا المقصود بالسنة اللبنانيين الذين أغلبهم يدعمون تيار الوسط الذي يرأسه السيد سعد الدين الحريري، الذي لا يسعى أن يكون «محللاً» لأجندة إيران وأن يكون متواطئًا مع عون ونصر الله مقابل دعمه كرئيس لحكومة لبنان وفق المحاصصة المعمول بها في لبنان.
الحريري وافق على القبول بعون رئيسًا للبنان مقابل أن يشكل حكومة لبنانية تعمل وفق أهداف واستقلالية لبنانية والحفاظ على سيادة الدولة ومؤسساتها وأن يكون رئيس الحكومة مشاركًا لرئيس الدولة ورئيس البرلمان في صياغة قرار لبناني مستقل لا يهدف إلا إلى مصلحة لبنان وخدمة مواطنيه دون أن يهدد سلامتهم وسلامة وطنهم من خلال توريط لبنان في قضايا لا تخدم أمنه ومحيطه تنفيذًا لأجندات تخدم دولاً بعينها.
هكذا تم التفاهم والاتفاق مع سعد الدين الحريري الذي كان يمثل الضلع الثالث في التوازن اللبناني، وعليه تم انتخاب عون رئيسًا للبنان وتكليف الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية، ولكن ماذا حصل بعد أن وصل عون إلى قصر بعبدا وضمان مشاركة الضلع الثالث في المحاصصة، ذلك ما دفع سعد الدين الحريري إلى الاستقالة بعدما تنصل عون وحليفه حزب الله من تعهداتهما.
غدًا نواصل.