«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
أقام قسم اللغة العربية، بكلية الآداب، في جامعة الملك سعود بالرياض ظهر يوم أمس الأول، «الندوة العلمية» لتدشين كتاب: (على خطى المتنبي)، للبروفيسور عبد العزيز بن ناصر المانع، الصادر مؤخرا، عن (كرسي عبد العزيز المانع) بالجامعة، وذلك بقاعة قسم اللغة العربية بمقر الجامعة، بمشاركة كل من : الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب؛ والدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي؛ والدكتور بدر بن عادل الفقير؛ التي أدارها الدكتور محمد منور، ومن القسم النسائي عبر الدائرة التلفزيونية الدكتورة زكية الحارثي، حيث استهل الندوة رئيس القسم الدكتور خالد الحافي بكلمة رحب فيها بالمشاركين في الندوة، وبالحضور، قائلا : أشكر كل من اجتزأ من وقته الثمين وقتا، ليشاركنا فرحتنا في الاحتفاء بهذا المؤلف الجليل، كما أشكر زملائي في الندوة العلمية الذين ساهموا وسارعوا لإنجاز هذا اللقاء المبارك، شاكرا لكل من شاركنا حضور هذه الندوة، فيما ارتجل المحتفى به كلمة شكر فيها القائمين على الندوة، معرجا على كتابه في عرض موجز.
ثم قدم الدكتور سليمان الذييب ورقة استهلها بقوله : بعد قراءة هذا الكتاب تبين لي أن الشعراء مثل الأندية الرياضية، لهم مهووسون يمدحونهم ويدافعون عنهم، وآخرون يذمونهم ويقدحون فيهم، ما ذكرني بالرياضة في عالمنا العربي، ولأنني لا أملك خبرة كافية في مثل هذه الفعاليات، فقد فضلت أن استخدم في قراءة الكتاب أسلوبي الآثاري الذي أحبه، أو غيره، إلا وأنني وجدت المانع في كتابه وأنا أقرؤوه كأنه يقول لي : اتبع أسلوبي واكتب ورقتك على شكل نقاط، أولها: أجاد المؤلف في طرح الدراسة، فاختلف عمن تناولوا موضوع هروب المتنبي، وأخذ بمنهج تميز فيه أيضا بتصوير المواقع، ورفع الإحداثيات لكل موقع إضافة إلى رصد المانع لتفاصيل طريق الرحلة، وخلال جولته الميدانية فقد عرج المؤلف على الكثير من المواقع ذات العمق التاريخي والاثاري، كدومة الجندل، التي أثبتت الدراسات التاريخية والآثارية تقلّد المرأة للحكم فيها، وغيرها من المواقع الهامة على طريق الرحلة، كالجوف التي تتعدد بتنوع وكثرة نقوشها وكتاباتها كالتدمرية والآرامية والثمودية وغيرها.
أما الوقفة الرئيسة الأخرى فقد وصفها الذييب، بأنها تتمثل في (التوفيق)، الذي حالف المانع في دراسته، وبحثه الميداني، فيما وجده من دعم وتسهيلات من هيئة المساحة لإنجاز دراسته الميدانية، قائلا: وجد المانع دعما لا محدودا، وخاصة ممن أهداهما الكتاب، الأستاذ أحمد بن عبد الله آل الشيخ؛ والدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العبيداء، اللذين لو ذهبت إليهما شخصيا، لما استقبلاني، فلا أملك وسامة المانع، ولا علمه، ولا شخصيته الجذابة، مضيفا لم أحظ من هيئة المساحة بما يوازي 5% مما أنعم الله به على المانع! ولكن إذا عرف السبب بطل العجب! منتقلا إلى وقفة أخرى يطرحها المؤلف أمام قارئه عن كشف صراعات منشؤها الغيرة والحسد وغيرهما، دون معزل عن شخصية المتنبي، وحبه للتسلط، والجشع، والتّكسب، التي لا يمكن تحييدها عن خروج المتنبي إلى مصر، مشيدا في ختام ورقته بما وظفه المانع في دراسته من مناهج قائلا : برع المانع في توظيف مناهج متنوعة، منهج العمل الميداني المعروف في علم الآثار، منهج المقارن والمتسائل المشكك في المعلومة كما هو في علم التاريخ، ومنهج علم الجغرافيا التاريخي الآثاري، إضافة إلى منهج المحدثين، موصيا بأن يتم طباعة نسخة «شعبية» من الكتاب، لتكون في متناول جميع شرائح راغبي قراءة الكتاب.
من جانب آخر، استهل الدكتور عبد الله الفيفي، وصفه لكتاب المانع، قائلا : هو كتاب في الأدب والنقد والرحلة والتاريخ والأعلام والمواطن في آن واحد، فضلا عن أن مغامرة الباحث قد سيقت في سرد قصصي بأسلوب أدبي ماتع، ومما يثير الإعجاب في هذه التجربة، شغف الباحث بموضوعه، والجهد المضني الذي بذله، ثم كيف لو صوّرت هذه الرحلة البحثية سينمائيا! مردفا الفيفي قوله: تساؤلات تلفت النظر في بعض طريق المتنبي، وهو تعرجها الغريب! فهل كان ذلك للتضليل؟! ما الذي جعله - مثلا - يذهب شمالا من كبد الوهاد إلى رأس الصوان في الأردن ثم يعود جنوبا إلى البويرة؟! ترى أكان مترددا في وجهته؟! أم ربما كان ينوي العودة من جديد إلى الشام لكنه عدل إلى العراق؟! أم ما نجده من أماكن متعرجة لا تعدو أن تكون قول شاعر يشرّق ويغرب؟ ويذهب شمالا وجنوبا في رسم لوحات خواطره؟ لا بقول (البلدانيّ) الذي يراعي الأبعاد والجهات والمسافات والترقيم؟ تساؤلات يثيرها الطريق المرسوم لخارطة طريق المتنبي في الكتاب، التي تقودنا إلى ملحوظات مما لا يبدو عليها دليل في المصادر الأدبية، مستقرئا علاقات أسماء الأماكن من حيث أقربها إلى الرجحان ، مقارنة بمخيال النص الشعري في مقابل أقوال البلدانيين التي وصفها الفيفي في هذا السياق بأنها ملتبسة ومتضاربة في كثير من الأحيان، إلى جانب ما لا دليل لأسماء لأماكن متباعدة ومتباينها، ما يعيد أسئلة جاء منها: هل الشاعر جغرافي؟ أيهدف الشاعر إلى تقرير الحقائق والوقائع والأماكن أم تصوير مشاعره؟ وقراءة النص كوثيقة رحّالة أو تقرير جغرافيّ؟ مستبعدا الفيفي الضرورة الشعرية في تقديم ما حقه التأخير من أسماء الأماكن، مختتما حديثه بما تفترضه شخصية المتنبي من مباهاة ومبالغة ورمزية وغيرها في شعره.
بينما قدّم الدكتور بدر الفقير، ورقته عبر ثلاثة محاور رئيسة، الأول جعله عن الشاعر، فيما خص الثاني باستقراء لرحلة الهروب الكبير، وصولا إلى آخر المحاور الذي جعله عن الباحث وفريق بحثه، مشيرا في سياق أول محاور ورقته إلى أن المتنبي إعصار شعري ما يزال مزمجرا على خارطة الشعر العربي بين قادح ومادح، ليظل في الإجمال الشاعر الذي يجري ولا يجرى معه متى مدح ان أعطي، ومتى هجا أنىّ منع، مردفا قوله: سأتحدث من موقع الحياد عن المتنبي شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، له الفضل على الأدب العربي، والأمة العربية، والأدب الإنساني، فلقد أورث ثروات من الجدال والتأملات والفلسفة والدراسات والبحوث، ليحقق بعد موته ما لم يحققه في حياته! واصفا أهمية الرحلة في ثاني محاور ورقته بأنها تشكل حبكة قصصية لمطاردة سياسية لأحد مشاهير العصر يمثل سلطة شعرية إعلامية، وبين رمز آخر لأحد ابرز حكام الأقاليم وسلطته المستبدة آنذاك، إضافة إلى يحمله النص من لحظات وصور (استثنائية)، مضمونا وشكلا.
وعن آخر المحاور، الذي جعله الفقير عن المانع، فقد جاء فيه قوله: باحث ووجه جامعي مشرف، رصع جامعة الملك سعود بجائزة الملك فيصل العالمية، ورفوفها بالعديد من الكتب في مجالات النقد والتحقيق، إذ شرفت بحضور الإرهاصات الأولى لمشروع هذا الكتاب، عندما شرفني المانع بزياراتي في مكتبي بقسم الجغرافيا، ليسألني عن بعض المواقع وإحداثياتها، ليتحول الباحث المحقق الوعر أمامي، إلى مريّ جغرافي، ليقتفي أثر شاعر العروبة وحكيم الدهر! مستخدما مناهج مختلفة تكاملت في إنجاح ما قدمه الباحث من جهد علمي وبدني وميداني.. متمنيا أن يرى المتنبي على الشاشة السينمائية العالمية في فيلم يكون عنوانه :»مالئ الدنيا وشاغل الناس!».
المداخلات
شهدت الندوة جملة من المداخلات، التي جاءت منها مداخلة لعميد كلية اللغة العربية الدكتور صاح معيض الغامدي، الذي أكد على طباعة نسخة شعبية من الكتاب، متسائلا عن رؤية الباحث بين الآثارية والأدبية؛ فيما أكد منسق الندوة الدكتور صالح عيضة الزهراني، على قيمة مثل هذه الدراسات التي يجب ألا يسأل بداهة بما مدى جدواها، مشيرا إلى أن من الدراسات السياقية ما جرّم النصوص! فيما أكد الدكتور عبد العزيز الخراشي أن العبرة في جهد الباحث مدى ما يعكسه من قيم بحثية على ذات الباحث لا بمدى ما يتوصل إليه من نتائج ويدونه من توصيات؛ بينما تساءل الدكتور حسين المناصرة بمدى ارتباط رحلة المتنبي بالطرق المعروفة آنذاك، ومدى ما يحيله المخيال الشعري من تحول في قراءة (مكانية) النصوص؛ فيما تساءل ناصر الرشيد عن قضية تعرجات الرحلة التي تثير القلق والشك في رسم خارطتها مقارنة بما يعرفه من مقاطع الطريق التي تتبعها المانع؛ فيما أكدت الدكتورة زكية الحارثي على أهمية هذه الدراسة وما تفتحه على أفق البحث الأدبي عامة، وعلى حياة المتنبي بصفة خاصة.