أ.د.عثمان بن صالح العامر
أكتب هذه السطور وأنا على متن الطائرة مع مجموعة من أهالي وأبناء حائل متوجهين إلى العاصمة الرياض لعزاء صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز بفلذة كبده «منصور» - رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، ورزق ولاة أمرنا وقيادة بلادنا ووالديه وإخوانه وزوجته وأولاده وأصدقائه ووطنه المحب له الصبر والسلوان- {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار.
سيدي أبا فهد:
إني معزيكَ لا أنيِّ على ثقة ٍ
مِنَ الخُلودِ، وَلكنْ سُنَّة ُ الدِّينِ
فما المُعَزِّي بباقٍ بعدَ صاحِبِهِ
ولا المُعَزَّى وإنْ عاشَا إلى حِينِ
يزورني اللحظة طيف سمو الأمير منصور -رحمه الله- .. أتذكّره، أتذكّر حين كان بيننا سنوات من عمره طويلة، أتذكّر ترحيبه الحار بنا - نحن الحائليين- حين يرانا بعد أن ودع ديارنا، تواضعه، دماثة خلقه، رقي تعامله، سمته، ابتسامته، حبه للخير، معرفته للناس.
أستحضر في ثوانٍ سريعة صورة الطائرة المتحطِّمة، أتصوّر لحظة النهايات لسمو الأمير ومن معه - رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته- كيف كانت؟ أتفرّس في صور الوداع التي التقطت لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز وهو في المسجد يؤدى الصلاة على ابنه الفقيد، وهو يحمله على كتفه ليواريه قبره، وهو في «العود» يحاول أن يتلحف بالصبر، يتجلّد أمام الآخرين، يلوذ بالصمت، ولكن هيهات، نعم هيهات، ففقد الابن ألم موجع، وخطب جلل أسأل الله ألا يمتحنِني فيه، فعل فعله برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يذكر أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الحديث المرفوع: «... دخلنا عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَذْرِفَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».
أردد سراً وأنا أفكّر بمشاعر الأبوة والبنوة بيتاً من مرثية صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد حين وصله نبأ وفاة ابن عمه «منصور».
مأجور يا عمي على الفقد مأجور
خل الصبر دونك عن الحزن منجاة
أحدن معه علمه من الناس مقبور
وحدن غدا علمه مع الناس ما مات
وأتمثَّل هنا قول الشاعر فهيد البقعاوي مخاطباً سمو أميرنا المحبوب:
يا ميرنا مأجور في فقد منصور
الفقد موجع والعنا يجرح الذات
حقاً الدنيا لا شيء، سريعة التقلّب والزوال، سرور مشوب بحبور، لا تدوم على حال، ولا يأمنها عاقل، تضحك وتبكي، تفرح وتحزن، والسعيد حقاً من خرج منها بسلام، وبقي له بعدها الذكر الطيِّب والعمل الصالح والعلم النافع والصدقة الدائمة والولد المبارك. دمتم بسلام، وتقبلوا صادق الود والسلام .