د. محمد بن يحيى الفال
بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أعلن صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز رؤية المملكة 2030، وجاء إعلانها في 18 رجب 1437هـ الموافق 25 إبريل 2017، وخاطب فيها سمو الأمير وكما جاء في ملف الرؤية المواطنين قائلاً: «وبناء على توجيهه، حفظه الله، وبدءاً من هذا اليوم، سنفتح باباً واسعاً نحو المستقبل، ومن هذه الساعة سنبدأ فوراً من أجل الغد، وذلك من أجلكم- أيها الأخوة والأخوات- ومن أجل أبنائكم وأجيالنا القادمة». هدف الرؤية المحوري والمفصلي هو تنويع مداخل ميزانية الدولة للصرف على مشاريع التنمية من أجل رخاء ورفاهية المواطن، وليتحقق ذلك كان لا بد من تقليل اعتماد الميزانية شبه الكلي على سلعة البترول والتي أثبتت التجربة تلو الأخرى بأن الاعتماد عليها ستكون له عواقب وخيمة إن كان عاجلاً أو آجلاً لسببين محورين، السبب الأول يتعلق بالأسواق المستهلكة للنفط وتغير معطياتها الاقتصادية فيما يخص العرض والطلب له وباستمرار، مما ينتج عنه تذبذب أسعاره بين الفينة والأخرى، ومثال لذلك وخلال السنوات العشرين الماضية تذبذب سعر برميل من ما يقارب 140 دولار إلى أقل من 10 دولار. السبب الثاني يتعلق بماهية سلعة النفط في حد ذاتها وبأنها سلعة نابضة، فبرميل النفط الذي يستخرج من باطن الأرض لا يعوضه برميل آخر، وهو الأمر الذي فُطن له منذ التسعينات الهجرية، السبعينات الميلادية من القرن المنصرم ومع إعلان المملكة لخطتها التنموية الأولى والتي سعت من خلالها إلى تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، بيد أنها لم يكتب النجاح في ذلك إلى حد بعيد، وإن نجحت خطط التنمية الخمسية وبشكل واضح لا تخطيه العين في تحقيق تنمية حقيقية في كافة المجالات. وجاء إعلان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن رؤية 2030 لتحقيق تنمية مستدامة(Sustainable Development)، تنمية تهدف لتطوير المجتمع من كافة النواحي الاجتماعية، التعليمية، الصحية والوظيفية من خلال آليات اقتصادية محفزة وقادرة على الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وذلك من أجل خلق مناخ اقتصادي ملائم وموثوق به محلياً وعالمياً. ومن خلال الرؤية صرح سمو ولي العهد بالقول «ستكون قوتنا الاستثمارية المفتاح والمحرك لتنويع اقتصادنا وتحقيق استدامته»، فالمملكة نموذج قل مثيله لنجاح صناعة الاستثمار بما حباها الله من مكانة دينيةاصة في قلوب المسلمين في كل أصقاع المعمورة، وفي قلوب الحجاج والمعتمرين والزوار، ومن ثروات طبيعية هائلة من نفط وثروة معدنية ضخمة وموقع جغرافي مميز بين ثلاث قارات رئيسية هي آسيا، إفريقيا وأوربا. كل هذه الإمكانيات الجبارة تجعل المملكة من أكثر دول العالم قابلية لنجاح صناعة الاستثمار، الصناعة التي تعد الركيزة الأساسية للتنمية المستدامة، وكما هو متعارف عليه اقتصاديا فبيئة الاستثمار ليتسنى لها النجاح والنمو فلا بد لها من مناخ استثماري جاذب للمستثمرين سواء كانوا من الداخل أو الخارج، وتأتي الشفافية واستئصال الفساد من جذوره على رأس الهرم لنجاح خطط الاستثمار، وبدونها يصبح ضخ الأموال في المشاريع الاستثمارية الإنمائية كمن يضخ الماء في الرمل، فعليه ومنذ أعلن سمو العهد رؤية المملكة 2030 قبل سبعة أشهر أوضح وفي ملف الرؤية أنه سيتم القضاء على الفساد بكل أشكاله، وأكد على ذلك بقوله: «لن نتهاون أو نتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته، سواء كان مالياً أو إدراياً»، وتبع ذلك بأيام تصريحه الشهير لقناة العربية الفضائية الإخبارية بأنه لن يسلم من المحاسبة كل من تورط بقضايا فساد سواء كان أميراً أو وزيراً. ولم يكن كلام سموه عن استئصال الفساد يتم شهره السادس، ولربط الأقوال بالأفعال حتى أصدر البنك الدولي وقبل أسبوعين بأن المملكة من أفضل 20 بلداً إصلاحياً في العالم وبأنها الثانية عالمياً في إصلاحات مناخ الأعمال، جاءت هذه الشهادة من منظمة دولية مستقلة لأحد أكبر المؤسسات المالية العالمية التابعة للأمم المتحدة المتخصصة في التنمية وتشجيع وحماية الاستثمار العالمي لتؤكد بأنه سموه وكما صرح حينها بأنه بدأ من اليوم الأول لإعلانه الرؤية على تحقيق المناخ المناسب لإنجاحها. وما كاد تقرير البنك الدولي يُنشر حتى أعلنت وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني وهي أحد أهم وكالات التصنيف المالي لدول العالم ( Fitch Ratings) بأنها تصنف المملكة على مستوى A+ وبنظرة إيجابية في المستقبل، والذي يعني أن المخاطر على الاستثمار فيها منخفضة وبأن المستثمرين المحتملين سيطلبون نسبة فوائد منخفضة لثقتهم بمحدودية مخاطر استثماراتهم.
الحقائق الثابتة أعلاه تؤكد بما لا يدعو للشك أو الريبة بأن ما حدث من اعتقالات لمسؤولين ورجال أعمال بتهم فساد في الخامس عشر من صفر 1438هـ الموافق للرابع من نوفمبر 2017، لم يكن أمراً مسيساً وكما تحاول بعض وسائل الإعلام المغرضة أن تصوره، فالقراءة لما حدث واضحة ولا لبس فيها، وأعلنها سمو ولي العهد مع انطلاق الرؤية وأكدها لاحقاً بأن القضاء على الفساد هو الركن الأصيل في نجاح الرؤية. رسالة استئصال الفساد التي جاءت في الأمر الملكي بتشكيل لجنة عليا برئاسة سمو العهد لمكافحة الفساد للداخل والخارج فحواها بأن قيادة المملكة تسير بخطى ثابتة ومدروسة نحو تحقيق ما تصبو إليه من رفاهية ورخاء شعبها وبأن زمن الإفلات من العقوبة قد ولى إلى غير رجعة، وجاء في الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين للقضاء على سرطان الفساد والذي يعتبر بحق وثيقة تاريخية ستبقى راسخه في قلوب وعقول المواطنين والأجيال القادمة «حرصنا منذ تولينا المسؤولية على تتبع هذه الأمور انطلاقا من مسؤولياتنا تجاه الوطن والمواطن، وأداء للأمانة التي تحملناها بخدمة هذه البلاد ورعاية مصالح مواطنينا في جميع المجالات، واستشعارا منا بخطورة الفساد وآثاره السيئة على الدولة سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، واستمرارا على نهجنا في حماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام ولم يحافظ عليه أو اختلسه أو أساء استغلال السلطة والنفوذ فيما أسند إليه من مهام وأعمال نطبق ذلك على الصغير والكبير، لا نخشى في الله لومة لائم، بحزم وعزيمة لا تلين، وبما يبرئ ذمتنا أمام الله سبحانه ثم أمام مواطنينا». بهذه الوثيقة التاريخية السامية ستنطلق بلادنا واثقة بالله ثم بقيادتها نحو أفق مليء بالإنجازات العظيمة، ونحو المضي قدماً لتحقيق رؤيتها التي خُطط لها بعناية، ومشاريعها التنموية الطموحة ستكون حقيقة وواقعا تراه العين قريباً بعد تجفيف منابع سرطان الفساد، ولينعم كافة مواطني هذه البلاد الطيبة المباركة بخيراتها، وليشارك مواطنوها رجالا ونساء في رفعتها وازدهارها وتحقيق رؤيتها لتتبوأ مكانتها الرفيعة التي تستحقها بجدارة بين أمم العالم.