ماجدة السويِّح
«كائنا من كان» أصبحت أيقونة سعودية للمرحلة الحالية والمستقبلية في الشفافية والقضاء على الفساد، «كائنا من كان» تؤسس لصحافة قوية وقيمة في حياة الناس، لذا الأحرى أن تنتهج المؤسسات الصحفية الأيقونة الأشهر في العهد السعودي الجديد لتأسيس صحافة استقصائية متفردة، تُمارس دورها في الرقابة والمحاسبة من أجل الصالح العام، وتقدم الدعم والمساندة للمؤسسات الحكومية في الكشف عن الفساد ونشره دون اعتبار لكائن من كان.
الصحافة في عهد الحزم والعزم أصبحت أداة ضرورية، ومساندة لتحقيق أهداف ورؤية 2030 التي يطمح ويعمل كل مواطن لتحقيقها. الصحافة الاستقصائية لم تعد منهجا نظريا أو حلما صعب المنال، فبعد إعلان الحرب على الفساد بات وجودها ضروريا وأساسيا في مؤسساتنا الصحفية، التي قد تمتنع سابقا من النشر أو تبني بعض القضايا خوفا من المسؤولية القانونية، واستغلال بعض المسؤولين مناصبهم في منع عملية النشر والمتابعة لمواضيع تمس حياة الناس.
ازدهرت الصحافة الاستقصائية في أواخر القرن التاسع عشر، واستخدم الصحفيون الأمريكيون حرفيتهم في معالجة الفساد ومحاسبة الحكومة والشركات الكبرى حول الممارسات غير الشرعية والمخالفات. وبعد استخدام الكمبيوتر ازدهرت صحافة البيانات في تسهيل مهمة جمع المعلومات وتحليلها والخروج بمادة صحفية تجمع بين المهارة المهنية والمهارة الأكاديمية في البحث والتقصي لسبر أغوار القضايا التي يواجهها المجتمع.
الصحافة في المجتمع الديمقراطي لا تقل قوة ونفوذا عن السلطة القضائية في التدقيق والمراقبة والمحاسبة، فهي أداة الشعب لمراقبة عمل الحكومة والشركات والمؤسسات من أجل الصالح العام.
و تعد فضيحة ووترغيت عام 1972 من أشهر الحالات الاستقصائية ، التي ساعدت على إرساء قواعد الاستقصاء الصحافي، حينما تمكن مراسلان من صحيفة الواشنطن بوست من كشف تلاعب الحزب الجمهوري بالانتخابات ونشر الحيل السياسية التي مارسوها ضد الحزب الديمقراطي، مما أدى لاستقالة الرئيس نيكسون، واتهام 40 مسؤولا إداريا .
في العصر الحديث كانت أشهر التحقيقات الاستقصائية عام 2013 ، حينما تزامنت كلا من الواشنطن بوست والجارديان في نشر قصص حول انتهاك الخصوصية للمواطنين الأمريكيين والأجانب بالمراقبة، من قبل وكالة الأمن القومي ، حيث اعتمدت القصص المنشورة على مصدر سري هو إدوارد سنودن الموظف السابق بالوكالة، وقد منحت الصحيفتين جائزة بوليتزر في نفس العام نظير جهودهما في البحث والتقصي.
الفترة التاريخية التي نعيشها في الشفافية والمحاسبة والقضاء على الفساد، هي فرصة ذهبية لتأسيس قواعد العمل الاستقصائي في مؤسساتنا الإعلامية وممارسته بلا خوف أو تردد في الصحافة المطبوعة، والإلكترونية، والمرئية، فقد حان الوقت لممارسة الصحافة واجبها تجاه المجتمع كسلطة رابعة تستمد القوة والعزم على القضاء على الفساد، وإعمار المجتمع من أعلى سلطة في الدولة ممثلة بالملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله - في انتهاج الشفافية والتدقيق والمحاسبة.
الكرة الآن في ملعب الصحفي الذي كان يخوض حربا في جمع وإعداد الصحفية الاستقصائية ونشرها، فالطريق اليوم باتت ممهدة للمضي قدما في المشروع الصحفي الاستقصائي ، بدعم وبمباركة من الحكومة التي أعلنت الحرب على الفساد «كائنا من كان» ، فالأحرى أن يبادر الصحفي في مواجهة الفساد ويستلهم شعار المرحلة الحالية والمستقبلية في الاستقصاء والمحاسبة من أجل الصالح العام.
و أخيراً.. أكثر ما يحتاجه الصحفي اليوم الأدوات المهنية التي تعينه في بناء وإعداد التقارير والتحقيقات الاستقصائية عبر التعليم والتدريب، لذا اقترح أن تتبنى هيئة الصحفيين السعوديين ووزارة الإعلام ورش عمل متخصصة في العمل الاستقصائي لمواكبة التطلعات المجتمعية في الشفافية والقضاء على الفساد، فالصحافة الاستقصائية اليوم تعد فرصة قيمة للصحافة المطبوعة، لتعيد للصحف وهجها المختطف مع تعدد الوسائل الإعلامية، وزهد الشباب بالقراءة.