د. فهد صالح عبدالله السلطان
لم تعد المعارك العسكرية وحدها هي ما يشكل الحروب الحالية بين البشر بعضهم البعض وبينهم وبين أنفسهم، فبالإضافة إلى الحروب العسكرية الحسية هناك الحروب الناعمة كحرب المعلومات وحرب العملات والحروب الاقتصادية وحرب الإنسان مع نفسه الإمارة بالسوء.
وفي كل الأحوال فإن هناك عاملاً مشتركاً بين كل الحروب حديثها وقديمها وهو أن الانتصار فيها يمهد الطريق لمرحلة جديدة مختلفة ومتقدمة، والشيء المؤكد هنا هو أن أقسى المعارك التي يمكن أن يخوضها الإنسان في حياته وأهمها هي معركته مع نفسه، وهي فيصل في تحديد قوته وقدرته على الانتصار في المعارك الأخرى.
يمكن لأي شاب مبادر أو مقبل على العمل أن يقيس وبشكل مسبق مدى قدرته على مواجهة تحديات المستقبل ورياح الزمن المستقبلية والانتصار في معارك الحياة العملية من خلال معيار بسيط وواضح جداً، وهو قدرته على الانتصار على نفسه. في سياق القصص القرآني العظيم يذكر جلّ شأنه أنه عندما فصل طالوت في الجنود وهو في طريقه لخوض معركة حاسمة أراد أن يختبر جنوده من بني إسرائيل ومدى قدرتهم على مواجهة العدو والانتصار في المعركة فقال لهم {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}، هؤلاء القليل الذين انتصروا على أنفسهم وشهواتهم الذين انتصروا في المعركة ضد جالوت وجنوده. اختبار عملي لقياس مدى القدرة على الانتصار على الآخر وعلى رياح الزمن العاتية من خلال قياس القدرة على الانتصار على النفس، الذي يعني: «أن تقاوم ما تحب وتتحمل ما تكره، أن تترك الشهوات وتصبر على المكاره، أن تعفو عمن أساء إليك، أن تسامح، أن تكظم الغيض».
يقول هاري إس ترومان «من خلال قراءاتي لقصص العظماء، وجدت أن أعظم انتصاراتهم كان يتمثل في انتصارهم على أنفسهم».
عندما يتمكن المرء من الانتصار على نفسه وترك الشهوات وحب الانتقام من الآخر، والصبر على تحديات البناء والتأسيس ورياح الزمن ومقاومة ما يحب من الدعة والكسل والراحة واللهو، عندما يتحلى الباحث في معمله أو في مكتبته بشيء من الصبر ويقاوم الرغبة في التوقف عن مواصلة دراسته وبحثه، عندما ينتصر الشاب المبادر على نفسه ويتخلى عن شهواته وميله للاسترخاء والدعة أو التراجع، عندما ينتصر الداعية على نفسه المثبطة ويتحلى بالصبر وترك اليأس.. سوف -وبدون أي شك- ينتصر في معركته في الحياة وينجز أهدافه ويحقق طموحاته. هذه سُنّة الخالق في كونه. ليس ثمة أقسى على الإنسان من نفسه. فمتى ما انتصر عليها فهو -بإذن الله- قادر على الانتصار على أعدائه من شياطين الإنس والجن، ومؤهل لتخطي عقبات العمل ومواصلة المسير في رحلة النجاح والتقدم.
إنها فعلاً المعركة الأقسى والأعتى ولكنها المعركة الفصل في معترك الحياة.
فهل للانتصار فيها من سبيل؟