د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** حذّر الإمام ابنُ حزم المتوفَى عام 456هـ من اختلاط الأسماء ووقوع الاسم الواحد على معانٍ كثيرة فيخبر المخبر باسمٍ يفهمه السامع بغير ما أراد، وقال في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام»: «والأصلُ في كل بلاءٍ وعماءٍ وتخليطٍ وفسادٍ اختلاط ُالأسماء».
** ملءُ فضاءاتنا مفردات كما مصطلحات تاهت الرؤى حولها لأنّ المتناقشين لم يصطلحوا على تحريرها بشكل قاطع مانع، ومنها «الصحوة «و»الحداثة» و»العلمانية» و»الليبرالية» و»الإرهاب» و»التشدد» لنجد أنّ مردَّ معظم مشكلاتنا البَينية عدمُ تحديد المصطلح ورسمِ أبعاده، وهو السبب الرئيس لإشعال التصادمات الثقافية الحادة بين مكونات المجتمع المتجانس.
** وفي زمن غير بعيد كانت مفردة «الفساد» - مثلًا - من المفردات المحرَّمة سيئة السمعة التي لا ينبغي وسمُ مشروعٍ أو مُشرعٍ أو مديرٍ أو مدارٍ بها ، وعُدل اسم اللجنة العليا للإصلاح الإداري بعد أربعة عقود من إنشائها لأنّ «الإصلاح» يَفترض - ضمنًا - وجود فساد، وهو ما لم يَجز قبوله وقتها.
** وجهة نظرٍ حديةٌ كبرنا عليها أربعًا بعدما أُنشئت هيئة وطنية لمكافحة الفساد إعلانًا لشفافية المواقف من الممارسات المخلة بالسلوك الوظيفي، وحُمد لها ما أنجزته وما تنجزه ، والأمر نفسه في المصطلحات المشابهة التي تُرفض وتُفرض بشرط ألا ننساق مع التفسير الدارج للمصطلح المضطرب وفق الأهواء والأدلجات، فتُستهلك المفردات بالتجاذبات التي لا يعي بعضنا مقتضياتها وقضاءاتها.
** تفقد الكلمات قيمتها حين يسومها الهادف والهارف والمنهجي والمتجني، ولو كنا اعتمدنا تعريف كل مصطلح بشكل علمي دقيق؛ بحيث لا يُطلق وصفٌ إلاّ على من توافرت فيه السِّمات المبينة لأطره لاستبرأنا لذممِنا ولحصرنا الاختلافات في مدارها الإيجابي.
** يبقى المصطلح بعموميته ذا دلالة لغوية غائمة؛ فقد نصف به من هو مؤدلجٌ حتى جنانه ومن هو مقلد بطرف بنانه، وربما ارتدت الحكاية العائمة ففُتحت ملفاتٌ موازية بمصطلحات مضادة ، وهو ما يعني أننا سنُنْعش الصراعات الحديةَ ونشعل الاحتراب بين مكوّنات البيت الواحد بما يمتدُّ ويرتد.
** المصطلح مفردة لها محدداتها وأركانها، وحين يصبح مشاعًا يفقد دلالاته وينتفي الهدف من النقاش حوله ونكتشف أنّ الناس متوغلون ولا يدرون ، وفي المصطلحات التي تمس عقائد الناس وسلوكهم ووطنيتهم سنقع في محظورات الغيبة والبهتان، وتحت طائلة الخلل والزلل، وهو ما لا يعنيه الشرع ولم يقننه المُشرِّع ولن يطمئن به الشارع.
** مررنا بتجارب قاسية نتيجة ضبابية «المصطلحات»؛ ليس آخرَها صراعُ الحداثة والصحوة والأسلمة والعولمة والتشدد واللبرلة، وآن أن نُشرِّح كل مصطلح ونَشرحَه قبل أن نبدأ في المداورة والمناورة بسببه سعيًا لوئام مجتمعي يُهمنا اليوم أكثر من ذي قبل؛ فالوطن يخوض معارك وجود وتهديدات حدود.
** التحريرُ خطوةٌ للتفكير.