عبدالعزيز السماري
كان وعد بلفور حديث المجتمع الدولي خلال الأسبوع الماضي، ويرمز تاريخياً للصراع الطويل و المرير بين الشمال الأوروبي والجنوب العربي، فالوعد لم يكن حلاً سياسياً براغماتياً للوجود اليهودي في أوروبا، لكنه كان قراراً دينياً متطرفاً، يؤمن بحق توراتي لليهود في فلسطين، وكانت الضحية أن تشرد شعب فلسطين وسُرقت أراضيها، وتم تهجيرهم باستخدام مختلف أساليب حكم الأقوياء على الضعفاء.
ساهم في ذلك خروج العرب من الأرث العثماني أمة مستضعفة ومتخلفة وغير قادرة عن الدفاع عن أراضيها، وكان للاستعمار كلمته وذلك عندما اقتسموا الأقاليم العربية كالغنائم التي تُساق للأمم المنتصرة، وهي الأيام كما شاهدتها دُول, مَن سرَّة زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ، وأمة العرب تعيش في هذا العصر أرذل العمر وأدنى الأزمان وأضعفها..
في هذا الزمن أصبح الحديث عن قضية فلسطين أشبه بالكلام المحرم في أدبيات الوعاظ، حيث أصبح المدافع عن حقوق العرب المهجرين من أراضيهم أقرب للمحرض على الإرهاب الديني في هذا العصر، وفي وجه آخر تحول دعاة السلام والهدنة إلى خونة يجب إقصاؤهم، ويحدث ذلك بفضل التسمم الأيدولوجي الذي يعصف بعقول العرب، وبفضل ثقافة الإقصاء التي تفرق بين الأشقاء والأقرباء وأبناء العمومة..
نجحت إيران في المتاجرة بقضية العرب التاريخية، وأصبحت تبرر تدخلاتها في سوريا ولبنان واليمن من أجل المقاومة ضد الاحتلال، بينما أظهر الواقع أنها تصدر أيدولوجيتها المتطرفة من خلال قضية فلسطين، وقد نجحوا بالفعل في شقّ الصف العربي من المنتصف، ثم حولوهم إلى قبائل تتقاتل بلا هدف.
لازلت أؤمن أن الحل الأهم لقضية فلسطين ليست الحروب أو المهادنة مع إسرائيل، فالحرب في ظل وجود الدعم اللامحدود من الغرب للصهاينة في فلسطين لن يكون مجدياً، بل سيكون كارثياً على الدول العربية، فالقدرات العسكرية للدول العربية ضئيلة وضعيفة جداً عند مقارنتها بالمعسكر الغربي، وإسرائيل أشبه بالقاعدة العسكرية الغربية الأكثر تقدماً وتطوراً في الشرق العربي.
الحل سيكون سياسياً، وستشارك شعوب الأرض في فرض حل السلام، لكن الكلمة الأهم ستكون لدي فلسطيني الأرض المحتلة، وسلاحهم الأهم هو القنبلة الديموغرافية، والتي ستجعل من المهاجرين اليهود أقلية وسط أكثرية عربية فلسطينية،و يعبر مصطلح القنبلة الديموغرافية عن الزيادة الطبيعية لدى مجموعة معينة من السكان في نفس المجتمع مقارنة بالمجموعات الأخرى ..
حسب الدراسات الديموغرافية تعتبر الزيادة الطبيعية لدى الفلسطينيين من الأعلى في العالم، خصوصًا في قطاع غزة و النقب، حيث قد تصل نسبة هذه الزيادة إلى 4.5% سنويًا. أما الزيادة الطبيعية عند سكان الضفة الغربية وباقي فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 فقد تصل نسبتها إلى 3.5% سنويًا. مقابل ذلك فإن الزيادة الطبيعية لدى اليهود تبلغ 1% سنويًا.
من أجل إيضاح أكثر عن جذور الانقلاب الديموغرافي في فلسطين، علينا العودة إلى الماضي، حيث إن نسبة اليهود في فلسطين الانتدابية سنة 1882 كانت 5.3%، ثم ارتفعت إلى 50.6% سنة 1950، وإلى 63.8% سنة 1967، ورغم كل أساليب الصهاينة التي تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني وتشجيع اليهود للهجرة إلى فلسطين، إلا أن النسبة قد تعادلت في فلسطين الانتدابية في العام 2015، مما يجعل فكرة القنبلة الديموغرافية تتحول إلى قوة حقيقية على الأرض.
لهذا السبب تشعر حكومة تل أبيب بالرعب عند الحديث عن حق العودة، وهو حق تاريخي وشرعي، ويجب أن لا يتنازل عنه العرب، وما تحاول أن تفعله حكومة الاحتلال هو احتلال مزيد من الأراضي وتهجير السكان منها، ولو ساهم فلسطينيو الشتات وأثرياؤهم وبمساهمة من الدول العربية في تحسين الظروف الطبيعية على الأرض لربما ازداد تسارع النمو السكاني بين العرب الفلسطينيين..
بمناسبة مرور مائة عام عن وعد بلفور التاريخي والمفصلي في كارثة الشعب العربي في فلسطين، قد تحدث تحولات كبرى في القضية التاريخية، ولعل الحل الأكثر إستراتيجية في هذا العصر أن تتحول معاناة الشعب العربي إلي قضية إنسانية عالمية، وأن تقود المنظمات العالمية حملة لمقاطعة إسرائيل تماما مثلما حصل في جنوب أفريقيا، فالحل جاء من الخارج، بعد أن تم تدويل القضية عالمياً، وبعد أن تم تجريم الأقلية البيضاء الحاكمة بتهمة الفصل العنصري لأصحاب الأرض.