محمد المهنا أبا الخيل
في سابقة لكل فكر أو جهد إصلاحي سياسي أو اجتماعي أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يوم السبت الماضي أمرًا ملكيًا بتشكيل لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، يكون لهذه اللجنة صلاحيات واسعة في مكافحة الفساد وحصر المخالفات والأشخاص والممتلكات لأجل إعادة ما سلب من مال عام لخزينة الدولة ومحاسبة الفاسدين عمّا اقترفوه، وتقديم تقرير بذلك لخادم الحرمين الشريفين أعزه الله.
هذه السابقة التاريخية ستضع لبنات صلبة في أساس بناء هذه الدولة المباركة وسترمم كل ما اعترى هذا البناء من خدوش أحدثها غياب الوازع الوطني وحضور هاجس الطمع الشخصي لدى بعض من أوكل لهم أمر من شؤون الدولة أو الناس، وسيكتب التاريخ أن ملكًا صالحًا للبلاد حماها الله وأظهرها لتكون من خير الأمم بما وهب لهذا الملك الصالح من حنكة وحكمة ودراية وعزم وحزم، وجعل في يده مقاليد الحكم العادل، فلم يراع في إحقاق الحق إلا الله، هذا الملك جعل مصلحة الوطن والمواطنين فوق أي اعتبار مما يعتبره عادة الملوك أو من هم في سلطة القيادة.
في حديث عائشة رضي الله عنها، قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فأشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فأرفق به»، هذا الحديث لوكان حاضرًا في ذهن من اقترف مخالفة فيما ولي من الأمر الذي أوكل له بحكم المنصب أو السلطة الوظيفية، لربما تردد في مخالفته، فكل مخالفة وكل رشوة وكل اختلاس وكل تغاضي عن فساد في شأن من شؤون الدولة هو في محصلته باعث للمشقة على أمة محمد، وجالب للمشقة على صاحبه، والذى جعل الله سبحانه وتعالى أمر هذه الأمة المباركة في هذه المملكة بيد رجال ذوي وعي لحق الله في رعاية خلقه وذوي صدق في تنفيذ أمره وذوي رفق بالناس وسعي لحمايتهم في أمنهم وفي معاشهم ورزقهم.
الفساد في مجمله هو كل عمل أو أمر يفضي بقصد إلى بخس الدولة حقها ممن ولي أي شأن من شؤون الدولة أو انتقص من واجبها في حماية ورعاية شؤون الأمة، وهو لا شك فساد في الذمة والعهد الذي يتحقق بمجرد التعيين في وظيفة من وظائف الدولة، فولي الأمر يتعين عليه بحق الولاية أن يتحرى ويتوسم فيمن يوكل له بعض من أمور الدولة الصدق والأمانة ومراعاة الله في أمره، ولكنه لا يعلم ما تخفي الصدور من جشع وطمع، لذا فكل فاسد هو خائن لعهده وخائن لثقته، ومقترف الفساد إنسان لم يخن ولي الأمر فقط، بل خان ضميره فأصبح خاليًا من قيم النزاهة والطهارة في مكارم الأخلاق، وخان أسرته فأعالها بمال اختلط بغش وحرمة، وخان مجتمعه فاستأثر بما لا يستحق فمنع حق وحرم محتاج وشق على آخر بالأذى. فهل هناك خزي في الدنيا أكبر من خزي الموسوم بالفساد؟
ومن ولي أمر من أمور الدولة فأصلح وعمّر وجعل مراعاة الله في ذمته وطاعة ولي الأمر في عهده فقد ضمن لنفسه الرضا ولأسرته السعادة والمحبة ولمجتمعه الخير والنماء، فأي فضيلة هو فيها؟ إنها فضيلة النزاهة وفضيلة طهارة اليد وعفة النفس ونقاء الضمير والسريرة، هي فضيلة يهبها الله لمن يحبه، جعلنا الله من أحبابه وجعل ملكنا وحبيبنا الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمثل الأمير محمد بن سلمان من أحباب الله الأطهار الذين جعل الله بأيديهما سبب إسعاد هذه الأمة.