د. خيرية السقاف
الحيويون الفعَّالون, من يوسمون بالإبداع, ويتميزون بحركية القلق..
الذين فجأة تشدهم موجات فكرة فلا تكاد تتحدث إليهم, ويصغون..
ولا تأمل منهم لحظتها إجابة لما تسأل إذ لا يلتفتون..
الذين أوراقهم مبعثرة, وأقلامهم لا تجتمع, وأشياءهم الصغيرة في فوضى تختبئ..
الذين زواياهم عابثة, ونوافذهم مسدلة ستائرها, أو مواربة ضلفتها,
الذين لا تزورهم أفكارهم دون صخب رحى, ونداءات أصوات, أو صمت موت..
الذين يستغرقون في ظلمة على ضوء خافت, وأكواب قهوتهم تتجافى عن أطباقها,
أو الذين تماماً لا تحط عليهم فكرة دون أن يكونوا في انتظارها هدوءاً, وتنظيماً, وانتظاراً..
الذين كل ورقة, وقطعة في مكانها, وكل ملمس على شمس صفائه تتراقص مخيلتهم..
الذين يشرعون لزهور الحديقة صبحهم, وعلى مسار القمر بالليل خيالهم..
الذين تهرب أفكارهم لدعس نملة, أو تحط في صخب رحى..
الذين يزجون بأجسادهم على مقهى رصيف صاخب, أو يهربون إلى ركن في فضاء حالم ..
هؤلاء الصانعون للبشر أبعاداً أخرى مستجدة للحياة, ومسارات إضافية مبتكرة للسعادة, وطرقاً عميقة للاكتشاف, ومفاتيح مبتكرة لجَنَّة الفكر, ونهر النفس, وبئر الخصوبة..
من بهم تُنقذ البشرية من طمي نكدها, وتحلِّق لفضاء نجاتها..
هؤلاء المتفاعلون ألا تتغير عاداتهم حين يتغير الناس من حولهم ؟!
ألا يفقدون خصائصهم حين تفقد الأشياء ألوانها, ورائحتها, وأشكالها التي يعهدون؟!..
أو حين تتبدل الأماكن التي يألفون, والناس الذين يعرفون, والأصوات التي يسمعون؟!
حين تتغير الذرّات التي تستقر في أعماقهم, التي تسقي عروقهم, التي تمد نسيجهم, التي تستدعي زفير مخيلاتهم, وتعيد شهيقها ..
التي خلف النافذة, وعلى الرصيف, وفي مدى الطريق, وفي نسيج المنعطفات؟!..
التي في أبجدية المتكلمين, ودموع البائسين, وخبزة الفرَّانين, وقطرة السّقّــائين؟!..
ألا يبدلهم حدُّ الباب بين ثرى وماء؟!
المبدعون, ذوو الخصائص الاستثنائية من يتفقدهم في معمعة الحياة حيث يدب البشر, ويتفجر الكون بخاماته؟!..
وهم فيه الثُّلّة الوضيئة المنتقاة فوق الأرض, في غابة الحياة ذات السواد العظيم من كل شيء؟!