د. محمد عبدالله الخازم
بغض النظر عن التحولات الفكرية والأكاديمية التي تحكم تطورات التعليم العالي محلياً ودولياً، الجامعات السعودية أمامها تحدٍ مختلف في قادم الأيام؛ تحدي إداري، تنظيمي، قانوني، اقتصادي، استثماري وما يصاحب كل ذلك من تغييرات مطلوبة. هذا ما تعد أو تنشده الرؤية الاقتصادية ونتوقع أن تتضح تباشيره مع إقرار نظام الجامعات الجديد الذي يبدو أنه يتجاوز مجرد تغيير الأنظمة الأكاديمية إلى تحرير الجامعة إدارياً واقتصادياً.
هذا التحول مطلوب، لأن الجامعة السعودية رغم حداثتها عالمياً إلا أنها تعاني الترهل أو الشيخوخة المبكرة، إن جاز التعبير في تنظيمها المؤسسي. بالتركيز على المحور الإداري الاستثماري نجد الجامعات السعودية، وتحديداً الجامعات الكبرى باعتبار الناشئة لازالت في طور التأسيس وهي مقلدة في الغالب، تعاني مما يلي:-
1- تكدس وسوء توزيع الموارد البشرية، سواء الإدارية أوالفنية أو الأكاديمية بمختلف مستوياتها.
2- تضخم الهياكل الإدارية في عدد الكليات والعمادات والإدارات والوكالات والمراكز والمناصب.
3- تواضع استفادتها من طلابها. مثال؛ جامعاتنا تتعاقد مع مساعدي باحثين ومحاضرين وأطباء مقيمين ويدير جل أعمالها موفدين وعمالة في الوقت الذي يوجد لديها مئات - بعضها لديه آلاف- من طلاب الدراسات العليا وآلاف الطلاب والطالبات على مستوى البكالوريوس. الطالب لديها مجرد متلقٍ أو مستهلك، لا تستفيد منه وتفيده بعمله.
4- تواضع فكرها الاستثماري، حيث استثمارات بعضها مجرد تأجير عقارات دون تفكير استثماري متطور يفيد الجامعة بشكل أكبر.
5- تواضع مفهوم المشاركة والحوكمة. مثال؛ تفريطها في حقوق طلابها بتبذير موارد صندوق الطلاب أو إدخالها مستثمرين على حساب تدريب طلابها أو تشغيل أساتذتها، بسبب غياب مشاركة الطلاب والأساتذة في القرار كما لايوجد جهة مرجعية (حوكمة) تسائل إدارات الجامعات عن تلك التصرفات..
6- التفريط في الاستفادة المثلى من كوادرها. مثال؛ أطباء الجامعات وأساتذتها يعملون في القطاع الخاص والجامعة تتفرج عليهم ولا تستفيد منهم، بل تتعاقد مع أجانب يؤدون أعمالهم.
7- تواضع الحلول التنظيمية والإدارية والمالية. مثال؛ الخدمات الطبية والمستشفيات الجامعية لم تستطع الجامعات إيجاد حلول إدارية لتطويرها. أصبح المستشفى الجامعي - عكس المتعارف عليه عالمياً- متخلفا مقارنة بغيره...
8- تواضع وفشل برامجها في مجال التعاون الدولي والإقليمي بسبب ضعف البنية القانونية والتوجه الإستراتيجي للجامعة.
9- تواضع قدراتها في إدارة مشاريعها وتنظيم بناها التحتية. مثال؛ مشاريع الجامعات توقف كثير منها ولم يستكمل منذ سنوات عديدة.
10- تواضع مفاهيم المسؤولية الاجتماعية التي تتبناها الجامعات تجاه البيئة وتجاه منسوبيها ومجتمعها المحيط...
تنطبق الملاحظات أعلاه على أغلب جامعاتنا بدرجات متفاوتة، لا يتسع المجال لتفصيلها، ولست أعلم كيف ستتمكن الجامعات الانتقال نحو آفاق جديدية بنفس الفكر والقدرات الإدارية الراهنة؟!
يبدو أن الأكاديمي مكانه قاعة الدرس والبحث لكنه ليس مؤهلاً أو متميزاً بالجوانب المتعلقة بالتنظيم والقيادة والاستثمار وتنظيم الموادر البشرية، ما لم يحصل على خبرة قيادية حقيقية خارج الجامعة. لذلك أدعو جاداً إلى استقطاب خبرات قيادية من خارج الجامعات - من قطاع الأعمال- لقيادة الجامعات في مرحلتها الجديدة. هذه الفكرة شائعة عالمياً حيث لا يشترط أن يكون رئيس الجامعة أكاديمياً ويكون له نائب يتولى الأمور الأكاديمية.