فضل بن سعد البوعينين
في عام 2015 وخلال استقباله كبار المسؤولين والمهتمين بمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص؛ أكَّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها على «أن هناك إجماعًا في البلاد على مكافحة الفساد، وأكبر مكافح للفساد هو كتاب الله وسنة رسوله»؛ وإن المملكة «لا تقبل فسادًا على أحد ولا ترضاه على أحد». وفي أكثر من مناسبة؛ شدد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز على ضرورة تحقيق كفاءة الإنفاق ومحاربة الفساد بشتى أنواعه ومواجهة مرتكبيه أين ما كانوا. وفي أكثر التصريحات وضوحًا؛ أكَّد سمو ولي العهد بأنه «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواءً وزيرًا أو أميرًا أو أيًا كان... أي أحد تتوافر ضده الأدلة الكافية سيحاسب». أدركت القيادة أن مكافحة الفساد من أهم أدوات الحكم الرشيد؛ والضامنة لإنجاح برامج الإصلاحات الاقتصادية ومخرجات التنمية؛ والمحققة للعدالة المجتمعية ما جعلها أكثر صرامة في التعامل مع ملفاتها؛ واجتثاث جذورها وتطهير الأرض منها لتوفير الحاضنة النقية لبذور التنمية وأشجار النماء.
أخذ خادم الحرمين الشريفين على عاتقه إرساء قواعد الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء من خلال تحقيق العدالة ومكافحة الفساد والضرب بيد من حديد على الفاسدين؛ تحقيقًا للمصلحة العامة؛ وأداء لأمانة الحكم؛ وإرساء لقواعد العدل والمساواة.
جاء أمره الكريم بإنشاء لجنة عليا برئاسة سمو ولي العهد؛ لمكافحة الفساد وملاحقة المتطاولين على المال العام؛ متوافقًا مع حرص القيادة على المضي في إصلاحاتها الشاملة التي لا يمكن ضمان نتائجها ما لم يتم القضاء على عدوها الأول؛ وهو الفساد الذي أثر سلبًا في مسيرة التنمية وسمح للمتنفذين بالتطاول على المال العام وأسهم بشكل جلي في تأخر المملكة عن ركب التقدم المستحق.
يعد الفساد العدو الأول للتنمية؛ والمؤثر سلبًا في الاستقرار المالي والاستثمار والإنتاجية، والمتسبب في غياب العدالة المجتمعية؛ وضعف المخرجات الحكومية. كما يتسبب في حجب التدفقات الاستثمارية الأجنبية أو إبطاء حركتها؛ وخفض معدلات النمو، وزيادة البطالة، واتساع رقعة الفقر؛ وظهور الأزمات المتتالية.
ملاحقة المتورطين في قضايا فساد وتوقيفهم وتقديمهم للعدالة سيسهم بشكل مباشر في تعزيز النزاهة؛ وتحويلها بسلطة القانون؛ إلى ثقافة عامة يلتزم بها الجميع؛ وفي مقدمتهم الأمراء والوزراء ومن كانت في يدهم ولاية استمدوها من ولي الأمر. وسيسهم أيضًا في تطهير الأرض وتمهيدها من أجل بناء برامج رؤية المملكة 2030 عليها؛ فأهداف الرؤية الطموحة يصعب تحقيقها دون ضامن النزاهة والكفاءة والجودة؛ خاصة ما ارتبط منها بالاستثمار؛ المحرك الرئيس للاقتصاد.
من النتائج الإيجابية المتوقعة أيضًا؛ تحسن ترتيب المملكة على مؤشر النزاهه العالمي وتحسين البيئة الاستثمارية ومخرجات التنمية وتحقيق المنفعة الكلية من كل ريال تنفقه الحكومة على مشروعاتها التنموية؛ والحفاظ على المال العام والممتلكات الحكومية ورفع كفاءة الأداء في الوزارات والمؤسسات الحكومية؛ وتطبيق دولة القانون ضمن إطار المعايير الدولية.
ملف الفساد والمتورطين فيه لن يقتصر على سرقة المال العام واستغلال السلطة؛ بل يتجاوزه إلى فساد الرأي وتقديم المشورة؛ في القضايا الإستراتيجية التي سيبنى عليها مستقبل الوطن ومواطنيه؛ ما يستوجب المراجعة الشاملة لكل ما صدر عن المتهمين بقضايا الفساد؛ وأحسب أن القيادة قد بدأت بالفعل في تحقيق ذلك الهدف؛ من خلال مراجعتها بعض برامج الإصلاح الاقتصادي المُقره سلفًا؛ لتجنيب الاقتصاد والمواطنين انعكاساتها السلبية. قد ينتهي الفساد المالي بمجرد قطع قنوات الفساد؛ ومحاكمة الفاسدين؛ غير أن فساد المشورة والخطط الإستراتيجية تعني استدامتها ما استدامت برامجها؛ تنخر في جسد الاقتصاد وتفت من عضد الدولة وتتسبب بكوارث يصعب مواجهتها مستقبلاً.