في ليلة متميزة في وطننا الشامخ تغير الحال وبدت ملامح جديدة لعهد جديد، تغير الحال وتبدل الوضع، ليت شعري يستطيع التعبير عما يخالجنا في حق وطن عظيم حيث بدأت رحلة الكشف عن المفسدين ومن كانوا عرضة لتحقيق أغراض لهم شخصية دون مراعاة للضمير في أخذ أموال غير مستحقة، فكان الفساد المالي والإداري، حيث تعتبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي آفة مجتمعية فتاكة، وهي قديمة ومخضرمة وجدت في كل العصور، وفي كل المجتمعات، الغنية والفقيرة، المتعلمة والأمية، القوية والضعيفة، وحتى يومنا هذا. فظهورها واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية بطرق غير مشروعة. وتكون واضحة بصورة كبيرة في مجتمعات العالم الثالث وخاصة في مؤسساتها الحكومية، حيث إنه سبب مشكلاتها الاقتصادية وتخلفها عن مسيرة التقدم. وقد جاهدت الكثير من المجتمعات الحديثة للتخلص من هذه الآفة المجتمعية، لأنها تقف عقبة في سبيل التطور السليم والصحيح لتلك المجتمعات، وأن تفشيها في مؤسسات الدولة تعتبر من أشد العقبات خطورة في وجه الانتعاش الاقتصادي، حيث إنه يظهر في استغلال السلطة لأغراض خاصة سواء في تجارة الوظيفة أو الابتزاز أو المحاباة أو إهدار المال العام أو التلاعب فيه، وسواء أكان ذلك مباشراً أم غير مباشر، وتنتج عنه آثار سيئة وهي تحويل الموارد والإمكانات الحقيقية من مصلحة الجميع إلى مصلحة أشخاص، حيث يتم تركيز المصلحة والثروة في يد فئة قليلة من المجتمع، وهذا ليس في صالح الدولة على المدى البعيد مما يولد مستقبلاً آثاراً سيئة وضارة. لذلك حرصت الدولة على إصلاح أوضاع الفساد الإداري والمالي في كل مؤسساتها الذي كان موجوداً في السابق، وأصبح له أبعاد جديدة بامتداده إلى الأفراد والمؤسسات الخاصة والحكومية، وذلك بتكثيف جميع الجهود سواء إن كانت حكومية أو غير حكومية لكشف المتلاعبين بالمال العام وإيجاد بعض الحلول والمعالجات الضرورية للحد من هذه الظاهرة والخروج بنتائج إيجابية تسهم في تقدم المجتمع وبالتالي تسريع عملية التنمية بجوانبها المختلفة، فكان قرار الملك سلمان بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد لحصر قضايا الفساد العام، وأشار المرسوم الملكي لتشكيل اللجنة إلى أنه جاء «نظراً لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة... مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على الال العام وإساءة استخدامه واختلاسه، متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة».
وتضم اللجنة الجديدة رؤساء هيئة الرقابة والتحقيق، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وديوان المراقبة العامة وجهاز أمن الدولة، إضافة إلى النائب العام. نقولها بكل أمانة إننا فرحنا بهذا القرار، وهذا التوجه الذي يحقق - بإذن الله - الرقي والتطور لهذا البلد الشامخ، لذلك يجب على كل مواطن ورجل أن يستشعر الوطنية في قلبة وأن يقدم مصلحة الوطن، نعم مكافحة الفساد يجب أن تتحول إلى ثقافة مجتمع، وأن يستشعر كل فرد مسؤوليته تجاه تعزيز النزاهة، وكشف الفساد والمفسدين؛ وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال تعزيز القيم الإسلامية أولاً؛ والقيم الأخلاقية والإنسانية، وحسبنا من القرآن الكريم قول الله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. لذلك يجب العمل على محاربة الفساد وإيصال صوتك إلى صاحب القرار وعدم السكوت عن الظلم في حال تعرضك له، وكل قوي هناك من هو أقوى منه، والله أقوى من الجميع. نعم الصمت عن الفساد يزيد من فساد الفاسدين، وكما تعلمنا فإن المواطن هو المسؤول الأول عن أمن البلاد وحمايتها من أعداء الخارج، فإنه أيضاً المسؤول الأول عن حمايتها من الفساد الداخلي. وختاماً لمقالي هذا نحمد الله على نعمة الأمن وأن قيض الله لهذه البلاد قادة كانوا هم من يحاول ويساعد من أجل تحقيق العدل وتطهير البلاد من الفاسدين، ونحن ننادى بالنظر في كل المؤسسات وتطهيرها من المفسدين، فشكراً خادم الحرمين شكراً ولي العهد محمد بن سلمان على التوجه الجديد في حفظ الحقوق في دولتنا الحبيبة، نقف احتراماً وتقديراً لك يا ولي العهد آمالنا بك معقودة وقلوبنا لك داعمة ودعواتنا لك دائمة بأن يوفقك ويحقق الرقي والتطور على يديك. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين من كل مكروه. وختاماً نكرر دائماً أنت يا مملكتنا التاج الذي على رؤوسنا، وأنت الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا، فليس في القلب والفؤاد شيء إلا حب هذه الأرض العزيزة التي عشنا على ثراها وسطرنا عليها تاريخنا وأمجادنا ومنجزاتنا، وأكرر دائماً (دمت يا وطني شامخاً).
** **
- غدير الطيار