د.ثريا العريض
منذ البارحة بعد نشرة أخبار التاسعة مساء محليا, وحتى كتابة هذا المقال ظهر اليوم الأحد 5 نوفمبر 2017، تصدرت أخبار مستجداتنا السعودية واجهة الساحة الإعلامية ونشرات الأخبار داخليا وعالميا, تحت عناوين بارزة, ركّزت على الأوامر الملكية الموجهة بإنشاء لجنة عليا لحصر والتحقيق في قضايا الفساد العام، وإعفاء وزراء, وإيقاف مسؤولين وأمراء من أعلى مراتب الدولة للنظر في تطبيق أنظمة التدقيق والمحاسبة العادلة بلا استثناء على «كل ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على العامة, واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو أخلاق أو وطنية.. فاستغلوا نفوذهم والسلطة التي ائتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه أو اختلاسه».
والأوامر الملكية الأخرى تناولت إعفاء عدد من كبار الوزراء والأمراء المسؤولين حاليا من مناصبهم, وإيقافهم وبعض مسؤولين سابقين للتحقيق في قضايا تتعلق بتهم الفساد المالي.
الأهم في تفاصيل الخبر ليس فقط كون الأشخاص من أعلى مستويات المسؤولية, بل كونها إشارة رسمية واضحة إلى تحولنا من ثقافة التعايش مع الفساد كإحدى ممارسات المجتمع وأعرافه, إلى مرحلة التصدي لممارسيه ومحاربته رسميا ومحو نتائجه باستعادة ما سرق إلى الخزينة العامة للدولة وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة».
بهذا يشرع عصر فرض الشفافية وتجفيف مسارات حركة الأموال, وتطهير مجرى ثقافة المجتمع من الطحالب المسممة, وردع تقليدها وتصحيح معادلة المسؤولية والذمة والنزاهة الفردية ومعنى الانتماء.
كالعادة بعد صدور أي أوامر ملكية يتناول تفاصيلها المتحاورون في وسائل التواصل الاجتماعي, البعض بتعمق مهني, والبعض بتفسيرات سطحية وتكهنات شخصية لا تعكس إلا استفاضات فردية وتطلعات رغبوية ممجوجة لا تخلو مع الأسف من الشماتة والكيدية ومشاعر نقمة شخصية.
في هذا الالتباس بين فهم ضرورة القرار الرسمي لتصحيح جرائم هادمة لاقتصاد الوطن عبر هدر ميزانيات مشروعات وطنية سابقة, وبين الرغبة في ممارسة الرجم لدوافع ومتعة شخصية, يصبح من الضروري التأكيد على قارئي الأوامر الملكية تذكر الجانب القانوني المهم الذي جاء موضحا إطار تطبيق عقوباتها: « في حال تأكيد وإثبات التهم بأدلة قاطعة».
وهذا ما وعد به ولي العهد حين وضح عزمه على تطهير الاقتصاد والبلاد وتعاملات المسؤولين من تلوث الفساد بدءًا بالفساد المالي.
وخلال حوار متشعب حول ما تناقلته ساحات التواصل عن إيقاف عدد من المسؤولين الكبار للتحقيق معهم في تهم الفساد المالي استوقفني تعليق شفاف لأحد الأصدقاء متلمسا مشاعره الذاتية: «أنا سعيد بإعلان الحرب على الفساد واتخاذ خطوات جدية.. في ذات الوقت أنا حزين أن نرى عندنا هذا الكم من الفساد».
كان لا بد من تذكير الجميع بضرورة انتظار نتائج التحقيق الرسمي قبل وصم أي اسم بتهمة متداولة مازالت تنتظر إثباتها رسميا وقطعيا.
وفي تطلعنا بتفاؤل لحقبة الشفافية في الحوار والثقافة التعاملية أتوقع أننا سنرتقي درجات ملحوظة في المؤشرات العالمية لقياس محاربة الفساد والإصلاح والشفافية، وسنسعد ونحتفل باستحقاق ذلك، ويبقى أن نقتنع بصدق وشفافية مع النفس بعد أن نتأكد من صحة إجراءات تقييمنا لأنفسنا وللآخرين.
لنحارب فسادا فكريا مستشريا: هل ينبع تقييمنا للآخر من معرفتنا بتفاصيل فعله مثبتا؟ أم من تقييمها بميولنا المتحيزة له أو عليه؟