لبناء المجتمعات لا بد من أسس قوية ومتينة لهذا البناء ومن هذه الأسس الرقابة المباشرة وغير المباشرة ولا بد من الشفافية والمحاسبة، وعندما نرجع إلى التربية التي شرعها الإسلام للفرد نجد ديننا قد غرس في نفس المسلم الرقابة الذاتية سواء بتعامله مع ربه أو مع من حوله من أهل وولد أو مع الآخرين أو فيما يوكل له من مسؤوليات قال تعالى: {بَلِ الْإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أقرب إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، وربط بين تحصيل الرزق وبين مراقبة الله وجاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة في تحريم المال العام قال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}، وورد في السنة عن عدي بن عميرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس من عمل لنا منكم عملاً فكتمنا منه مخيطًا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة»، وقال عليه السلام «من استعملناه على عمل فليجي بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذه وما نهي عنه انتهى» رواه مسلم وأبو داوود. هذه هي التربية التي يغرسها الدين الإسلامي في نفوس الناس لتكون الرقابة ملازمة للإنسان فلو غابت مراقبة الخلق فلن تغيب مراقبة الله جل في علاه، وهذا ما تربى عليه المسلم منذ صدر الإسلام إلى أن تقوم الساعة، وديننا وهو يغرس هذا الخلق العظيم في مراقبة الله لا يغفل أن هناك من يحيد عن جادة الصواب فلا يبالي في أخذه للمال أمن حله أو من الحرام، ولذلك تأتي سلطة ولي الأمر للحفاظ على المال العام لفرض الرقابة لحمايته من ضعاف الإيمان وهذه البلاد التي تحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى القواعد والمبادئ الشرعية المستنبطة من الوحيين تدرك أهمية المحافظة على المال العام لأنه مرتبط باقتصاد الوطن والمحافظة على مدخراته ولذلك صدر الأمر الملكي الرقم 1 - 38 في 15-2-1439هـ وقد جاء في ديباجة الأمر الملكي (ونظرًا لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة واعتدوا على المال العام، وجاء فيه وانطلاقًا من مسؤوليتنا تجاه الوطن والمواطن وأداء للأمانة وجاء فيه واستشعارًا منا لخطورة الفساد وآثاره السيئة على الدولة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا انتهى الأمر الكريم إلى تشكيل لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهدلأمير محمد بن سلمان، وبعد لا شك أن اهتمام خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز بمحاربة الفساد هو قرار وطني له أهميته الكبيرة لمصلحة البلاد والعباد وسيكون له أثر كبير على اقتصاد الوطن والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.
** **
بقلم الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد - رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض