رجاء العتيبي
إذا ظهر الحق وبات قوياً, يتلاشى فوراً الباطل ويزول, وكأنه لم يكن, يزهق الباطل أي يذهب بشكل لا تتوقع مثل كأس الماء عندما ينسكب, فلا يغتر أحد بقوة الباطل, لأنها قوة (وهمية) لا تصمد أمام الحق إذا ظهر وعلا شأنه, من هنا جاء قوله تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
جاءت أداة التأكيد (إنَّ) على أنَّ الباطل زائل لا محالة بمجرد علو الحق , فلا يزهق الباطل إلاّ بمجيء الحق, وإلاّ فإنّ الباطل باقٍ لا يتزعزع فيخيل لنا بأنه قوي وباقٍ ويتمدد, ومن أراد المزيد في علاقة الحق بالباطل فليقرأ أطروحات جودت سعيد في موضوع (اللاعنف).
محاربة الفساد ليس عنفاً, سن القوانين والأنظمة ليس عنفاً, إبعاد الفاسدين عن مصادر القرار ليس عنفاً, إنما هو (حق) أبلج يفضي إلى عصر من الأمن والرخاء والسلام, يأخذ فيه كل ذي حق حقه , فمتى كان (الحق) قوياً شاملاً حل العدل , وتصبح معه الدولة في أبهى عصورها, كما حدث لـ: سنغافورا التي تحولت من الفقر إلى أغنى دولة في العالم، بمجرد أن حلّ (الحق) في مفاصلها فتلاشى الفساد بسهولة .
يوم السبت الماضي (4 نوفمبر) الذي تشكّلت فيه لجنة عليا بأمر ملكي لمكافحة الفساد كان يوماً مشهوداً عند السعوديين, حيث أوقف فيه أمراء ووزراء ومسؤولون اتهموا بالفساد: غسيل أموال, رشاوى , استغلال نفوذ, بهدف حماية المال العام وإيجاد بيئة اقتصادية منافسة محفزة للمستثمرين محلياً ودولياً.
بكل سهولة سقطت (قامات) ما كان لها أن تسقط في يوم ما, ولم يكن يخيل لنا أنها بهذا الضعف الذي بدت به في ثورة (4 نوفمبر) ضد الفساد, ولكن ذلك حدث انطلاقاً من مبدأ (جاء الحق وزهق الباطل) الذي أرساه الله في محكم التنزيل.
الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - أخذ على عاتقه محاربة الفساد, ففي أول يوم له في مقاليد الحكم أعلن عن محاربة الفساد بكل أشكاله وصوره, وجاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليثبت عملياً أنّ الفساد يمكن إزالته بسهولة بمجرد أن وضع (الحق) أداة يدير بها مسؤولياته.
بالتأكيد سنتفاءل بوجود رجل استثنائي كالأمير محمد سلمان، لأنه جعل من (الحق) قوة لا تقهر, تجاه كل شبكات الفساد التي عطلت التنمية لسنوات, وقال في أكثر من مناسبة: «لن يسلم أحد تورّط في الفساد كائناً من كان». فلمَ لا نتفاءل مع رجل يقول ويفعل - حفظه الله ورعاه -.