د. أحمد الفراج
لم تكن حادثة إرهاب نيويورك الأخيرة، التي يطلق عليها الإعلام الغربي وعلى مثيلاتها مسمى: «عمليات الذئاب المنفردة»، وذلك لخطورة هذه الإستراتيجية الجديدة للتنظيمات الإرهابية، فهي لا تتطلب سلاحاً ولا أحزمة ناسفة، بل فقط سيارة وشارع مكتظ بالناس، أقول لم تكن العملية كبيرة، مقارنة بمثيلاتها. هذا، ولكنها هزّت المجتمع الأمريكي، لأنها أثارت ذكرى أحداث سبتمبر المؤلمة، إذ إنها وقعت في ذات المدينة العالمية التي لا تنام، نيويورك، وكان موقعها قريباً من مكان الحادثة الأشهر، التي لم يعد العالم بعدها هو العالم الذي نعرفه، وبالتالي فقد تعاملت الإدارة الأمريكية والإعلام مع الحادثة بشكل مختلف، وتم ربطها بأحداث سبتمبر، وكالعادة، تم تسليط الضوء على الإسلام، الذي شوّهه المتطرفون بشكل لم يقدر عليه ألدُ أعدائه!
الإرهابي هذه المرة هو مسلم من أوزباكستان، هاجر إلى أمريكا قبل الحادثة بست سنوات، وأقام في ولاية فلوريدا الساحرة، وقد جاء من هناك في أقصى الجنوب، إلى أقصى الشرق، لينفذ هذه العملية! وما يهمني كمتابع هنا، هي التقارير التي أشارت إلى أن منفذ العملية لم يكن متطرفاً، عندما قدم إلى أمريكا، ما يعني أنه تم استقطابه، ومن ثم أدلجته، في المراكز الإسلامية في أمريكا ذاتها، ومن المسلم به أن معظم هذه المراكز تديرها جماعات الإسلام السياسي، وتحديداً تنظيم الإخوان، الذي يوجد هناك منذ فترة طويلة، وهنا لا بد أن نتوقف عند تساهل الغرب عموماً مع جماعات الإسلام السياسي، والكل يعرف نشاطات هذه الجماعات في أوروبا، وتحديداً بريطانيا، التي تعتبر الأم الرؤوم، والحاضن الرئيس لها، والغريب أن الدول الغربية لم تتجاوب كما ينبغي مع تحذيرات الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله- قبل سنوات، عندما قال تلك العبارات التاريخية: «إذا لم تأخذوا مسألة الحرب على الإرهاب بجدية، فسيصل إليكم في عقر داركم»، وهو الأمر الذي حدث، ولا يزال يحدث، وتعتبر حادثة نيويورك الأخيرة امتداداً له!
لا تزال الدول الغربية ترفض تصنيف تنظيم الإخوان كتنظيم إرهابي، رغم كل الدلائل التي توصلت لها دول مثل المملكة ومصر والإمارات، والتي تؤكّد على أن التنظيم هو الرأس الذي تفرّعت عنه كل جماعات التطرف، مثل القاعدة وداعش، وهذا أمر مستغرب، ولئن كانت إستراتيجية الغرب فيما مضى تقتضي الاستفادة من تنظيم الإخوان بشكل أو بآخر، كما حصل عندما أوعزت أمريكا لقطر باحتواء تنظيم الإخوان ودعمه مالياً وإعلامياً وسياسياً، فهل يعقل أن يستمر هذا الاحتواء، ورفض تصنيف التنظيم، رغم علاقته الواضحة بكل أحداث الإرهاب، التي ضربت الغرب خلال السنوات الماضية؟! وهنا لا بد من التأكيد على أن الإرهاب لن ينتهي، طالما لم تكبح الدول الغربية نشاطات جماعات الإسلام السياسي داخل أراضيها، فهذه النشاطات هي التي جهّزت منفذ إرهاب نيويورك الأخير، فهل يا ترى ستتغيّر إستراتيجية الغرب تجاه تنظيمات الإسلام السياسي مستقبلاً؟! شخصياً لا أتوقّع ذلك!