د.سالم الكتبي
اعتاد بعض المحللين والمراقبين على وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه يمثل التيار «المعتدل» في إيران، وأن وجوده يمثل «فرصة» للتعامل مع النظام الإيراني!
مثل هذه الرؤى تتجاهل أمراً مفصلياً يتعلق بهرمية السلطة في النظام الإيراني، والتي تمنح المرشد الأعلى السلطة المطلقة للتحكم في سياسات النظام، ولا سيما الخارجية منها، ولكن لو استبعدنا، نظرياً، هذه الحقيقة فإن الرئيس «المعتدل» بات يكشف كثيراً عن الجانب المختفي من شخصيته، فهو كما ذكرت كثيراً في مقالات سابقة، أحد أعمدة نظام الملالي، وابن مخلص لمدرسة الخميني.
ومنذ أيام قلائل تعهد روحاني بأن تواصل طهران إنتاج الصواريخ لأغراض دفاعية، مشيرا إلى أن ذلك لا يعتبر انتهاكا لأي اتفاقات دولية، وهذا كلام مزايدات يحفل به الخطاب السياسي الإيراني، ولكن روحاني واصل في خطابه أمام مجلس الشورى الإيراني قائلا «لن نتردد في إنتاج وتخزين أي سلاح دفاعي لما يضمن مصلحة الشعب الإيراني، ويحفظ سلامة أراضينا وفي هذا الإطار قمنا بإنتاج الصواريخ وسنستمر في إنتاجها لأنها لا تتعارض مع القوانين الدولية والقرار رقم 2231».!!
الكلام واضح وصريح بأن إيران تمضي في برنامجها النووي والصاروخي من دون أي اهتمام بالمخاوف وعوامل القلق المثارة حول هذه التوجهات على الصعيدين الإقليمي والدولي.
لو أن هذه العبارة قد وردت على لسان أحد قادة الحرس الثوري المتشددين لكان الأمر مفهوماً، ولكن ورد على لسان الرئيس الذي يمثل إيران أمام العالم، حيث يعلن صراحة تجاهل بلاده لما تقره المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بالحد من التسلح وحظر الانتشار النووي.
روحاني أكد في خطابه التزام بلاده بتعهداتها في الاتفاق النووي، وفي الوقت ذاته يؤكد المضي في إنتاج ما يصفه بأي أسلحة «دفاعية» تضمن مصلحة الشعب الإيراني!
ناهيك عن أن مصلحة الشعب الإيراني لا ترتبط بالأسلحة أساساً، في ظل مؤشرات التنمية المتردية، والاقتصاد المتدهور بسبب سياسات الملالي، فإن روحاني يخادع حين يصف الصواريخ بعيدة المدى بأنها «أسلحة دفاعية»، فالكل يعرف ماهية السلاح الدفاعي من نظيره الهجومي، ثم أي دفاع يتحدث عنه روحاني في وقت تدفع فيه بلاده بميلشياتها إلى داخل العراق وسوريا، وتمول جماعة الحوثي في اليمن وتزودها بالأسلحة، وتغذي النعرة العدائية المذهبية لدى «حزب الله» اللبناني؟!
في فبراير الماضي، قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي «نحن ممتنون للسيد ترامب .. لقد أظهر وجه أمريكا الحقيقي»، وها نحن نعيد على الرئيس روحاني نفس الكلمات من دون امتنان، لأن وجه إيران الحقيقي نحن نعرفه جيداً، فهو وجه مذهبي طائفي خبيث، ولكن ما فعله الرئيس روحاني أنه قد حطم الأسطورة التي يروج لها بعض المراقبين والمحللين، بشأن ما يعرف بتياري الاعتدال والتشدد في إيران!
الحقيقة أن النظام الإيراني كيان واحد لا معتدلين فيه ولا حكماء، لكنهم مجموعة من المتشددين الموالين لمبادئ الخميني ونظريته في الحكم، وما يحدث بينهم من تباينات هي مسألة توزيع أدوار لحصد مكاسب سياسية تكتيكية لا أكثر ولا أقل، فهو ليس نظاماً سياسياً عصريات يسمح بتعدد ألوان الطيف السياسي، وتفاوت الرؤى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بل هي رؤية أيديولوجية حصرية واحدة، ونظرية إجبارية يعتنقها الجميع ويؤمنون بها ويعملون على تكريسها والترويج لها.
حديثي عن تشدد روحاني ليس تحليلاً ولا اجتهاداً مني بل هو تفسير ظاهري لنص تصريحاته، وعلينا أن نتذكر جيداً أنه قد رفض مؤخراً ما وصفه بالانقسامات بين المسؤولين الإيرانيين، ودفاعه المستميت عن الحرس الثوري، منتقداً بشدة سياسات وإجراءات الولايات المتحدة تجاه قادة الحرس، ومعتبراً أن مثل هذه الإجراءات موجهة ضد النظام الإيراني بأكمله، وأن فكرة تشجيع «المعتدلين» عبر استهداف «المتشددين» هي وهم أمريكي!
لم تكن تصريحات روحاني مسألة عابرة ولا اصطفاف وطني للدفاع عن الثورة ومبادئها ورجالها كما يعتقد بعض المراقبين، فهناك أدلة أخرى منها تصريحات الرئيس روحاني التي قال فيها «هل يمكن اتخاذ قرار حاسم في العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا والخليج من دون أخذ الموقف الإيراني في الاعتبار؟»، في إشارة واضحة لا تختلف عن تفاخر قادة الحرس الثوري العام الماضي باحتلال أربع عواصم عربية! وهذا هو وجه روحاني الحقيقي، الذي لا يختلف في كثير أو قليل عن الجنرال قاسم سليماني ولا غيره من رموز التدخل والاستعلاء الطائفي الإيراني.