لبنى الخميس
تحدثنا في المقال السابق عن الإقناع وتناولنا قصة أول حالة غسيل دماغ من قبل الصينيين على الجنود الأمريكيين، وبعض أبرز تقنيات الإقناع مثل فهم شخصية، وأهداف ودوافع من أنت بصدد إقناعه، والتنويع في حديثك المقنع ما بين قوة الكلمات ودقة الأرقام، وممارسة مهاراتك الناعمة في التأثير وكسب ود الطرف الآخر كذكر اسمه، وإعادة صياغة كلماته بشكل ينحاز بالحوار لصالحك، ومنح أحاسيسه ومشاعره أوصافًا وأسماءً. وهناك ما يسمى بالإقناع الصامت.. وهو أن تستميل ندك وتكسب نقاطًا مبكرة قبل أن تبدأ عملية الإقناع الفعلية من خلال سمعتك.. كاريزماتك.. شهاداتك.. طريقة لبسك وأسلوب حديثك.. هذا الأمر لا ينطبق على الأشخاص فحسب، بل حتى على الأماكن، وهو ما تطرق له الكاتب مالكوم غلادويل في كتابه «ذا تيبينق بوينت» فأحيانًا سياق المكان، وما ينقله من صور ذهنية وأحاسيس أبلغ من كل عبارات الإقناع. محطات مترو الإنفاق في نيويورك كانت تعاني من نسب مرتفعة للجريمة عجزت شرطة المدينة عن السيطرة عليها لعقود.. وحين نظفت المحطات وصبغت جدرانها المكسوة بعبارات عنيفة ومحرضة على التمرد والخروج على الآداب وداومت على إزالتها فور كتابتها، انخفضت نسب الجريمة بشكل ملحوظ.. فالمحيط بكافة تفاصيله ينحت السلوك ويحرض على الالتزام أو التمرد.. وهذا ما تطرحه نظرية النافذة المكسورة.. التي تزعم أنه إذا تم كسر النافذة وتركت دون إصلاح، فسيستنتج الناس الذين يمرون بقرب السيارة أن لا أحد يهتم بها ولا أحد مسؤول عنها، ومع الوقت سيتم كسر المزيد من النوافذ، وسوف يعم الشعور بالفوضى، ويتمادى الناس في التخريب. وقد يستحيل طرح موضوع الإقناع دون أن يطرح اسم جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد الرئيس أدولف هتلر.. الذي استخدم أساليب مختلفة في الإقناع منها السيطرة على مفاصل الإعلام، وتمرير خطاب واحد عبر إنتاج أفلام وثائقية ومقالات سياسية تمجد الجندي الألماني وتصور هتلر على أنه المنقذ الوحيد والمخلص الأوحد للأمة الألمانية.. إضافة إلى اتخاذ التكرار كأسلوب للإقناع والتأثير والغرس عميقًا في العقول. يقول غوبلز في هذا الخصوص.. «سبب قوة وسيطرة الكنيسة هي أنها تكرر الشيء نفسه منذ آلاف السنين». أخيرًا.. نحن نمارس الإقناع كل يوم.. بل ربما كل ساعة.. حين نبيع أفكارنا.. ونسوق لآرائنا.. ونمرر أهدافنا.. ونحادث آباءنا.. ونحاور أصدقاءنا، كما أن فن الإقناع يمارس علينا كل لحظةن قبل العلامات التجارية.. والمؤسسات الإعلامية.. والسلطة الدينية والسياسية.. فأفكارنا وأفكارهم.. آراؤنا وآراؤهم قوية بقدر قوتنا في عرضها.. وفننا في إيصالها إلى العالم.