عبد الرحمن بن محمد السدحان
لبداياتي مع الكتابة قصة تروى، يعود تاريخها إلى ما قبل نصف قرن تقريباً، قَاسيتُ خلالها من عنَاء (الطرق على أبواب التحرير) بحثاً عن (فرصة عمل) لمدادي المتواضع! كان قلمي في ذلك الأوان غضاً تهزه رياحُ البراءة، وتواضعُ الخبرة، وزهدُ التحصيل!
**
وهنا، يجبُ ألا يغيب عن البال أن صحف بلادنا في ذلك الزمان كانت تسيِّرُها (شِلليةُ) كبار الكتاب ومن يصطفون من معاصريهم من صغار الكتّاب! وجِدارٌ صلبٌ كهذا يصعبُ اختراقه من لدن طالبٍ في المرحلة الثانوية، يحلمُ بالنجاح في امتحان آخر العام!
**
بيد أنه يتعين عليّ أن أدين بالفضل بعد الله في اقتحام أسوارِ الكتابة لعددٍ من الرموز الفاضلة، منهم من غيبه الموت، يتقدمهم سيدي المغفور له والدي طيب الله ثراه، رغم تحفظه الصامت على خوض تجربة الكتابة خوفاً عليّ من سَعير الكلمة، ثم المرحوم خالد محمد خليفة، الصحفي والروائي المخضرم وزميل سيدي الوالد في العمل الحكومي، الذي أوقد لي أول شمعةَ حبّ للحرف!
**
مارستُ الركض عبر مسافات الكلمة كما أسلفت بدءاً بصحيفة (القصيم)، وكان لي شرفُ (التجاور) أحياناً على صفحاتها مع بعض عمالقة القلم في ذلك الحين كالأستاذ عبدالكريم الجهيمان (رحمه الله) والأستاذ سعد البواردي، والشيخ عبدالله بن خميس (رحمه الله) والشيخ عبدالله بن إدريس، والأستاذ محمد بن عبدالله الحميد، والأستاذ محمد أحمد الشدي وسواهم.
**
والآن، وقد بلغتُ من العُمر ما بلغتُ، وارتوت نفسي بإشراقات الكتابة وعثراتها، وجدتُ في القراءة بدءاً ثم الكتابة لاحقاً ملاذاً يعصمني من الغربة داخل دهاليز الذات، ويُخرجني من (زنزانتها)، محاولاً من خلالهما التعرف على ذاتي وتعريف (الآخر) بها، وحين فُتِنتُ بالكتابةِ كنتُ أبحثُ عن نفسي من خلالها كيلا تُصادرها منِّي قسوةُ العزلة وسط الزحام!
**
واليوم.. ورُغمَ تواضع عطائي الأدبي في ميزان المواهب الثمينة قدراً وتأهيلاً وأداءً، إلا أنني أشعرُ بامتنانٍ لربِّ العالمين أولاً وأخيراً، أن منحني الصمود أمام عواصف اليأسِ ورياح الفشل، فلم يتوار قلمي أو ينسحب من الساحة مضطراً سوى خلال فترة الدراسة الجامعية في أمريكا بضع سنين عدتُ بعدها لأُفاجأَ بأن شعلة الحرف في خاطري لم تنطفئ أو يَخْبُ ضياؤُها، فعُدتُ إلى الكتابة أو هي عادتْ إليَّ، وانتشت الروح منذئذ بعبق الفرح.